/ صفحة 253/
ولا يمكننا أن نحصى عدد أولئك الذين امتازوا في التاريخ، وكانوا ائمة الامم المعاصرة لهم، وبقيت آثار كثير منهم تشغل التاريخ منذ تلك الايام الغابرة إلى أزماننا الحاضرة، وحسبنا أن نذكر منهم أبقراط وسقراط وأفلاطون وأرسطو أولئك وغيرهم كانوا هداة عصرهم وهداة الامم المحيطة بهم، ونهل العلماء والفلاسفة إلى أيامنا هذه من ينبوع أفكارهم، وما تركوا لنا من آثار: آثار في الطب، وفي المنطق،و في الفلسفة، وفي الحكمة، وفي الفن الاغريقى المعروف، وفي غير ذلك من مأثور الفكر الإنساني.
* * *
كان لهم في القوانين عقلية خاصة، فما كانوا يرون أن التشريعات سماوية رغم تعدد الالهة عندهم، كانوا يعبدون هذه الالهة منذ قرون عديدة قبل ظهور اليهودية والمسيحية، فقد كانوا مشركين كما كان غيرههم من الشعوب الاخرى. وقد كانت آلهتهم عديدة كما كان الهنود والمصريون كذلك، وما كانوا يستمدون قوانينهم بوحى من أولئك الالهة، بل كانوا يضعون القوانين ويكلون أمرها إلى من يقوم بتنفيذها من الحكام أو الولاة أو الملوك، وكان القائم بتنفيذ هذه القوانين مكلفا بأن ينفذها بوحى من الأُمة، لأن الأُمة هي التى اختارتها تحت رقابة الالهة، فالقوانين اذن في تلك العهود لم تكن في عرف اليونانيين وحياً أو أمراً من الالهة، وإنّما كان تنفيذها باعتبارها صادرة من الأُمة، والالهة رقباء على تنفيذها، وبعبارة أخرى كانت للقوانين عندهم قدسيتها باعتبارها صادرة من الأُمة، ومتى صدرت أصبح تنفيذها برقابة الالهة.
* * *
وكل هذا لم يمنع من انقلابات عدة، فقد كانت الدساتير والقوانين تهدر وكانت الفوضى تضطرم في تلك البلاد أحياناً، ثم يعود النظام أحيانا أخرى، وكم تعددت الدساتير في تلك البقاع تبعا لانقسام هذه البلاد إلى دويلات صغيرة حتى وصل الأمر إلى أن أحصى عدد الدساتير المختلفة في تلك البلاد فكان يربى على مئة وخمسين دستورا في زمن ارسططاليس المعروف عندنا بأرسطو.