/ صفحة 241/
بحث حرفي الاسباب المبيحة للتيمم كما تفيدها الآية وبيان اضطراب الجمهور في شأنها:
بقى بعد ذلك النظر في قوله تعالى: ((و إن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لا مستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا)) من جهة ما تذل عليه من الاسباب المبيحة لتلك البدلية.
ونحن في هذا المقام نريد أن نقف بأنفسنا أمام هذه الجملة من آية الطهارة، ناظرين في تلك الوقفة فقط إلى صلتها بالجملتين السابقتين لتعرف بمجرد النظر في الاسلوب الاحوال التى تريد الآية أن تضع لها أحكامها من جهة الطهارة واستباحة الدخول في الصلاة. وبهذه النظرة نجد آية الطهارة تسوق شرطيات ثلاث: تخاطب المؤمنين أولا، وتسوق لهم شرطيتين تبين فيهما حكم الحالة التى هم عليها بحسب الطبيعة والعادة، وهى حالة الاقامة، ووجود الماء والقدرة على استعماله، وترشدهم إلى أنهم إذا أرادوا الصلاة - وكانوا طبعا على حالة من الحدث المنافي للصلاة، وجب عليهم أن يتطهروا: طهارة صغرى إن كان الحدث أصغر، وهى الوضوء المذكور في الشرطية الاولى وهى قوله: ((إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين)) . وطهارة كبرى إن كان الحدث اكبر وهى غسل المذكور في الشرطية الثانية، وهى قوله تعالى: ((و إن كنتم جنبا فاطهروا)) وظاهر أن الحكم في هاتين الحالتين لم يدخل في حيثياته سوى الاعتبارات الطبيعية الجارية على الناس بحكم العرف والعادة، لم ينظر
فيها إلى طارىء عليهم من مرض أو سفر، أو فقدان ماء، أو عجز عن استعماله، وبعد هذا صار من الحتم استيفاء لاحكام هذه الاحوال الطارئة أن نعرفها، وأن نعرف أساس الحكم فيها من هذه الطوارىء، فجاءت الشرطية الثالثة تبين لنا الحكم في ظل تلك الطوارىء، ولما كان الاصل الذي عليه الناس هو صحتهم، واقامتهم، ووجود الماء فيما بينهم، وعلى هذا الاصل جاء الحكم في الشرطيتين السابقيتين، كان من الضرورى أن تعرض الآية للاحوال الطارئة على هذا