/ صفحة 240/
ذلك أن الرمز لايقصد منه تمام مشاكلة البدل للاصل وإنّما يقصد منه الاحتفاظ بتعود، الاصل والمواظبة عليه. وترى هذا ماثلاً في حديث أبي ذر عند أصحاب السنن مرفوعا وصححه الترمذى ((إن الصعيد الطيب وضوع المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين)) .
ونراه في حديث عمار في رواية الصحيحين ((أتى رجل عمر رضي الله عنه، فقال: انى أجنبت ولم أجد ماءً، فقال له عمر. لا تصل فقال عمار: أما تذكر يأميرالمؤمنين إذ أنا وأنت في سرية... فأصابتنا جنابة... فلم نجد الماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت. فقال صلى الله عليه وسلم: إنّما كان يكفيك أن تضرب بيديك في الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين)) ؟ وهنا قال الشوكانى، وبهذا يتبين أن أحاديث الضربتين لا تخلوا جميع طرقها من مقال، ولو صحت لكان الاخذ بها متعينا لما فيها من الزيادة، فالحق الوقوف على ما ثبت في الصحيحين من حديث عمار من الاقتصار على ضربة واحدة حتى تصح الزيادة على ذلك المقدار.
ولا ريب أن هذا كله مما يحقق المعنى الرمزى والتشبيهى الذي عنينا في هذا المقام بابرازه والدلالة عليه، ومن الواضح أنه لا شأن لمعنى النظافة، والتنشيط فيما يتعلق بالتيمم، وإنّما هو معنى رمزى، يثبت معنى الامتثال الربانى للامر، ويغرس في النفس ملكة المواظبة والحرص على تنفيذ الاوامر والاستمرار عليها، وهذا معنى يحقق الطهر القلبى، والتزكية الروحية التى هي أثر الايمان الحق، والتى هي الغاية من سائر التكاليف الالهية، ولعل قوله تعالى في آخر الآية:
((ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ويتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون، واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوالله إن الله عليم بذات الصدور)) .
لعل هذا التذييل جاء مرشدا ومنبهاً على هذا المعنى الذي أو ضحناه في هذا المقام.