/ صفحة 23/
في معاملة أو بيع وشراء وقد عرض القرآن الكريم للبيت الحرام وبيّن قدسييته القديمة ومناسك الحج وشعائره في سورة البقرة، وآل عمران، والمائدة، وسورة الحج، وبيّن في كل ذلك أنه شأن دينى قديم نزلت به شريعة السماء، ودانت به الأمم من عهد ابراهيم واسماعيل إلى عهد محمد خاتم الأنبياء إلى يوم الدين ان شاء الله. ومما جاء بشأنه وشأن احترامه وتقديس ما يتصل به أو يدخل فيه حتى الصيد والأنعام قوله تعالى في سورتنا هذه ((يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره عفا الله عمّا سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام، أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون، جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم)) .
تقديس بعض الأماكن والأزمان يتيح للناس نوعا من الهدنة والتحصن:
ومبدأ احترام بعض الأماكن، وبعض الشهور مبدأ سام، شرعه الله في القديم وأقره في الإسلام، كيف لا وهو فرصة تهىء المتخاصمين على حسن التفاهم واقرار الأمن والسلام. هو بمثابة هدنة الهية يُغرس الاعتراف بها في قلوب الناس جميعاً ويمنحونها حقها من الكف عن المظالم والعدوان، فتشعر بلذة الأمن والطمأنينة وتسعى في ازالة أسباب التدابر والتقاتل والخصام بوازع دينى تمتلىء به القلوب، وتخشى في مخالفته سطوة المالك للرقاب، المهيمن بقدرته وجبروته على القوي المتجبر، وبرحمته وعطفه على الضعيف المستعبد.
ومن غريب أمر هذه الهدنة أنها أقرت الأمن في هذه الأماكن حتى بالنسبة للأشجار الصامتة وللحيوان الأعجم الذي يغشاها ويتنقل في أرجائها ويطير في أجوائها ((و حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما)) .