/ صفحة 24/
كلام القرطبى في هذا:
قال القرطبى في تفسيره (( والحكمة في جعل الله تعالى هذه الأشياء قياما للناس، وسبيلا لأمنهم أن الله تعالى الخلق على سليقة التحاسد والتقاطع والتدابر والسلب والغارة والقتل والثأر، فلم يكن بد في الحكمة الالهية من كاف يدوم معه الحال، ووازع يحمد معه المآل. ومن هنا جعل الخليفة والامام لتجرى على رأيه الأُمور ويكف الله به عادية الأُمور، وعظم في قلوبهم البيت الحرام، وأوقع في نفوسهم هيبته، وعظم حرمته فكان من لجأ إليه معصوما به، وكان من اضطهد محمياً بالكون فيه ((أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم، ولما كان البيت الحرام في مكان مخصوص لا يدركه كل مظلوم، ولا ينال حظه من الأمن فيه كل خائف، ولا يمكن أن يجتمع سكان المعمورة فيه، جعل الله الأشهر الحرم ملجأ آخر، تنشر على الناس، وهم في أقاليميهم وأقطارهم ألوية الأمن والاطمئنان، ويدخلون بها في هدنة الرحيم المنان، فقرر في القلوب حرمتها: لا يروع فيها سرب، ولا يطلب فيها دم ولا يتوقع فيها ثأر، وفيها تسكن السيوف في أغمادها، وتتجه القلوب إلى ربها، فيفيض عليهم من رحمته ما يطهرها من النوازع المادية التي بتسلطهاعلى الإنسان يهلك الحرث والنسل، ويعرض الكون للخراب والدمار)) .
ولا ريب أن الإنسان إذا استمر في هذه الهدنة وعالج نفسه في ظلها وهى أربعة أشهر من اثنى عشر شهراً، ثلث الحياة، كان ((في فسحة وراحة ومجال للسياحة والاتصال وتسوية الحال)) مما يجعله في حصن ووقاية من الرجوع إلى طرق باب الشرور والتنازع والخصام، وبذلك يصير مع اخوته بنى الإنسان اخوانا متعاونين على البر والتقوى، بعيدين عن الاثم والعدوان.
ختام النداء الثانى وما يوحى به من المعانى السامية:
هذا تشريع الله لعباده المؤمنين، وقد ذيله بقوله: ((و تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب))