/ صفحة 159/
يوما أن أبا جهل آذى ابن اخيه محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأفحش له القول، ولم يكن العباس قد أسلم بعد، فذهب من ساعته إلى حيث كان ابوجهل ورد له الشتم صاعاً بصاع، وضربه في رأسه بالقوس فشجه شجاً عميقاً وتركه بين الناس أشد مايكون مهانة. ذهب هذا العم المجاهد إلى الرسول يطلب منه أن يوليه ولاية فنظر النبي فرأى المصلحة ألا يولى العباس هذه الولاية، فلم تشفع لديه عمومة العباس ولا سابق فضله لأن الأمر يمس صالح المسلمين عامة، فقال له: ((يا عم نفس تحييها خير من ولاية لا تحصيها)) وفي حديث آخر لمسلم عن أبي ذر أنه ذهب إلى رسول الله طالبا منه أن يعينه عاملا على احدى الولايات، وجرى الحديث بينهما على هذا النسق، قال أبوذر: قلت يا رسول الله ألا تستعملنى؟ فضرب بيديه على منكبى ثم قال: ((يأباذر انك ضعيف، وانها لامانة، وانها يوم القيامة لخزى وندامة الا من اخذها بحقها ووفى الذي عليه فيها أو سَمِعْت اروع من ذلك ان ولاية الوظائف العامة في الدولة امانة في يد الخلفاء والوزراء وكبار الحكام لا تعطى الا للاقوياء، وكان أبوذر أضعف من أن يحمل هذه الامانة التي سيسأل عنها يوم القيامة ولن يجد ثم سوى الخزى والندامة لأنه بضعفه لن يؤديها خير الاداء وهكذا بصّره النبي بمستقبل أمره، وحال بينه وبين تلك الوظيفة العامة التي يجب أن نترك لمن يأخذها بحقها، أي وهو مستحق لها، قادر على أن يوفّى ما عليه فيها من واجبات، وجاء في مسند أحمد أن رسول الله قال في هذا الشأن: (من ولى من أمور المسلمين شيئاً فأمّر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا) أرأيت كيف أن مجرد تعيين موظف عام عن طريق المحاباة دون كفاية كاف لأن يحبط عمل من ولاه، وزيراً كان أو رئيساً فلا يقبل الله منه شيئاً، فهو ملعون مطرود من رحمة الله ولقد روى أن بعض الخلفاء طلب إليه أن يزيد في راتب أحد العمال فانتهر محدثه وقال: أو ما سمعت أن رسول الله قال: (الرجل وقدمه والرجل وعمله) هذه قواعد الترقية في الوظائف العامة، قد سنها الرسول ورتبها بحسب الاقدمية والكفاية منذ نيف وثلثمائة وألف عام.