/ صفحة 154/
المسئولية، فجعلت منه انساناً فوق البشر، أو على حد تعبيرها فوق القانون، وذلك على الرغم من حرص كل تلك الدساتير على النص على حقوق الافراد، وأهمها المساواة في الحقوق والواجبات وأنهم جميعاً أمام القانون سواء، ولعمرى إنها لمساواة ناقصة لا تتسامى إلى تلك المساواة الحقة الكاملة التي كفلتها الشريعة الإسلامية لجميع الناس حاكمين ومحكومين، واليك قبساً من هذا النور هو بعض نوافح الأمثال وروائع الاثار.
وقف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين قومه يوماً يقول: من كان له علىّ حق أو ذنب فليطالب به، فقد أغفل
عن بعضه، فقام إليه أعرابى وقال: لقد نلتنى بضربة من درتك وأنت تسوى الصف عند ما كنت تهيئنا للغزو، فقدم إليه الرسول الدرة وكشف له عن جسده الشريف وقال له: اقتص منى يا هذا فالحياة قصاص، فقبّل الرجل جسد الرسول وقنع بذلك مؤملا أن يجنب الله فمه عذاب النار بعد أن لامس جسد رسول الله أفريت كيف أن رئيس الدولة سوّى بين نفسه وجميع أفراد أمته في المسئولية الجنائية، ثم أما سمعت أنه قد جاءه صاحب دين فطالبه به وأغلظ له الكلام، فهم به بعض الصحابة فنهاهم النبي وقال ((دعوه فإن لصاحب الحق مقالا هلامع صاحب الحق كنتم، لا قدّس الله أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من قويها ولا يتعتعه)) .
صحيح أن الدساتير الوضعية بقوانينها جوزت مقاضاة الملك ورئيس الدولة أمام المحاكم في الأُمور المدنية فحسب، ولكنها حفظت للملك حق التعالى على مجلس القضاء بحيث يوفد إلى المحكمة من يمثله، وينيب عنه من يرفع الدعاوى باسمه، ومن ثم وجدت النظرية القانونية (لايجوز لانسان أن يتقاضى بوكيل الا الملك) فكانت صحف الدعاوى المدنية تقدم إلى المحاكم في بلادنا باسم ناظر الخاصة الملكية وما كان يجوز ان يطلب الخصم استدعاء الملك أمام القضاء ليناقشه أو ليوجه إليه اليمين الحاسمة مثلا; أين ذلك من العدالة المطلقة والمساواة الكاملة في الشريعة الإسلامية، فلا ملك ولا مملوك، بل الكل أمام الله والقانون سواء، ولقد كان