/ صفحة 150/
ان كل مجتهد يرى أن مذهبه الفقهى صواب يحتمل الخطأ، ومذهب غيره خطأ يحتمل الصواب، وهذا أعظم ما يتصور من الانصاف: انصاف المرء لنفسه، وانصافه لغيره.
بيان ذلك أن المجتهد إذا غلب على ظنه بعد البحث في الأدلة أن حكم الله هو كذا وجب عليه الفتوى والعمل به، لأنه هو الراجح في نظره، وغيره هو المرجوح وصريح العقل أن يتمسك بالراجح على المرجوح، ولكنه مع هذا الانصاف لعقله ونظره، لايفوته انصاف غيره، فيقول: ان ما رأيته وقلت به ليس هو اليقين الذي لا محيص عنه حتماً، وإنّما هو ظنى وما رجح لدى، وهو محتمل للخطأ احتمالا ضعيفاً، ويجوز أن يكون غيرى قد تبين أنه الراجح القوى فيجب عليه الاخذ به. فهذه هي خطة الانصاف والسماحة، وعليها كل المجتهدين في الشريعة الإسلامية، ومعنى هذا أن هناك أملا كبيراً في أن يتفق فقيهان في بعض ما اختلفا فيه حين يدلى كل منهما بما عنده لصاحبه، فيتكاشفان ويتراجعان.
وهل هذا الا التقريب؟
وقال قائل منهم: لقد سمعنا أن من غايات التقريب أن يدرس مذهب الشيعة في الازهر.
وانى أقول له: ان من غايات التقريب أن يعرف المسلمون بعضهم بعضا، وان أول من يجب عليهم التعارف هم العلماء وأهل الفكر في كل طائفة، والعلم لايصادر ولا يكتم، فلا بأس على الشيعة أن يعلموا علم السنة، وهم يدرسونه فعلا، وكثير من مجتهديهم يتوسع في درسه. ويتعمق في بحثه، ولا بأس على أهل الازهر أن يعلموا علم الشيعة بل ذلك واجبهم الذي يدعوا إليه الاخلاص العلمي، ولا يكون النظر تاما الا به، أليس الازهر جامعة علمية أعدت للدرس والبحث، وشعارها الدليل وما يثبته النظر السليم، أو ليست مقارنة المذاهب تدرس بالازهر منذ عهد المغفور له الأستاذ الاكبر الشيخ المراغى، وهي لاتتقيد بالمذاهب الاربعة ولا بمذاهب أهل السنة، ولو تقيدت بذلك لما كانت مقارنة