/ صفحة 131/
على أن تزكية النفس ترجع في الواقع إلى تلبية التكليف وامتثال الأمر أكثر مما ترجع إلى الصورة الحسية وما يحدثه التكليف من أثر في الجسم.
طلبت الآية من المؤمنين إذا اتجهت نياتهم إلى الصلاة وعزموا عليها أن يغسلوا وجوههم وأيديهم إلى المرافق، وأن يمسحوا برءوسهم وأرجلهم إلى الكعبين، وأن يطهروا ان كانوا جنبا، ثم أباحت لهم - ان كانوا مرضى أو على سفر، أو قضى أحدهم حاجته الطبيعية أو الجنسية، ولم يجدوا ماء يتوضئون به أو يغتسلون: أن يتيمموا صعيدا طيبا فيمسحوا بوجوههم وأيديهم منه، ثم ذيلت الآية بما يدل على أن ارادة الله من هذا التكليف إنّما هي تطهير عباده واتمام نعمته عليهم.
تلك هي رءوس الموضوعات التي احتوى عليها هذا النداء، وهي: الوضوء والغسل والتيمم.
الوضوء والاختلاف في أركانه وشروطه:
أما الوضوء، فلم تذكر الآية فيه سوى غسل الوجه واليدين إلى المرفقين، والمسح بالرءوس وغسل الارجل إلى الكعبين أو مسحهما. وإذا نظرنا إلى أن الآية لم تعرض للاذنين، وأنها ذكرت المرافق في اليدين على أنها غاية، وأنها عدت المسح إلى الرءوس بالباء، ثم جاءت الارجل فيها بقراءتى النصب والجر، وذكر فيها الكعبان على أنهما غاية. ونظرنا بعد ذلك إلى أنها لم تعرض إلى حكم النية في الوضوء، ولا إلى حكم الترتيب والموالاه والتدليك، ونظرنا إلى أن عباراتها فيما عرضت له ليست قطعية في معنى معين وإنّما هي عبارات قابلة لوجوه من النظر; إذا نظرنا إلى هذا كله استطعنا أن نقول: ان أركان الوضوء وشروطه لم ينل منها شيء اتفاق الائمة واجماعهم سوى غسل الوجه فيما تقع به المواجهة، واليدين دون المرفقين، وأصل مسح الرأس لاكلها ولا بعضها، أما الارجل فقد دار فرضها بمقتضى القراءتين بين الغسل والمسح وفيما وراء ذلك اختلف الائمة.
اختلفوا في أن الاذنين من الرأس فتكون وظيفتهما المسح، أو من الوجه فتكون وظيفتهما الغسل أو هما عضو مستقل لم يفترض غسله ولا مسحه واختلفوا