/ صفحة 130/
إليه شرقا، ويتجه من في جنوبه إلى الشمال فتلتقى أشعة بصيرته بأشعة بصيرة من هو في شماله، ويتجه إليه جنوبا، وتلتقى موجات تلك الاشعة المنبعة من جهات العالم كلها في مركز الهداية الالهية وتكون كتلة ووهاجة قوية من أشعة الايمان المنبعثة من القلوب المؤمنة في كافة المعمورة، ويكون لها قوة الاشعاع الاضاءة على العالم كله فتبصّره بطريق الهدى وتهديه إلى صراط الله المستقيم، وهذا معنى يبعد غوره، ويعظم أثره في نفوس المصلحين من خلق الله الذين اصطفاهم ربهم للاخذ بيد الإنسانية من حمأة الشهوات الفاسدة عن طريق طهر القلب، وصفاء النفس، وقوة الايمان واليقين، واذكر في هذا المقام قوله تعالى: ((قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطرالمسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره)) قيدهم في الصلاة بالاتجاه هكذا اشعاراً بوحدة المعبود وجمعا للقلوب على تعظيمه، وربطا بمساقط رحمته وهديه، وأطلق سراحهم في أدائها، لم يقيدهم فيه بمكان معين، بل جعل لهم الامكنة كلها من حول تلك البقعة الطاهرة مسجداً يقيمون فيه الصلاة: في البناء، في العراء، في الصحراء، في الماء، في الهواء، في أي مكان حول المركز استطاع أن يؤدى فيه الصلاة فهو مكان للصلاة، ومن هنا تتجلى بساطة الإسلام الذي لم يتخذ رسما مخصوصا، ولا مكانا معينا لاداء الصلاة، فالصلاة لله، والامكنة لله، والانسان عبدالله.
هذه هي المقدمة التي رأينا أن نبين بها مكانة الصلاة، وتطهيرها للقلوب، قبل أن نتحدث عن النداء الثالث من نداءات سورة المائدة الذي جاء ليرشد إلى مايجب على الإنسان أن يقوم به تطهيرا حسيا لكله أو بعضه ليجتمع له إذا دخل في الصلاة طهارة جسمه، وطهارة قلبه، وطهارة باطنه، وطهارة ظاهرة، فيكون طهرا كله كما أراد الله.
شرح آية الطهارة:
وقد تضمنت هذه الآية طهارة الوضوء، وطهارة الغسل كما تضمنت طهارة التيمم التي جعلت تيسيراً على العباد خلفا عن طهارة الماء، والتي دل اعتبارها طهارة