/ صفحة 127/
وكيفيتها التي دلت عليها أفعال الرسول وأقواله - من مظاهر التعظيم التي عرفت مفرقة في أساليب التعظيم التي يقوم الناس بها بعضهم لبعض; فالناس يعظم بعضهم بعضا برفع الايدى، وبالقيام وبالانحناء، وبالسجود، وبالدعاء، وبترديد أقوالهم... يفعل الناس ذلك كله في تعظيم بعضهم لبعض، وفي تعظيمهم ملوكهم ورؤساءهم وأرباب الجاه والنفوذ فيهم. ولكن لم تجر عادة للناس أن يجمعوا كل تلك الاساليب في تعظيم أحد منهم; فشرع الله الصلاة اعترافا بنعمته وعظمته، وجمع في كيفيتها جميع ما تفرق عند الناس من أساليب التعظيم، فجعل افتتاحها باعلان أن الله أكبر من كل ما يرون تعظيمه، مصحوبا ذلك برفع اليدين معا على وجه يمثل فيه وضعهما المعنى الذي فسر في القلب حينما ينطق اللسان بكلمة التكبير ثم جعل من أركانها القيام المصحوب بتلاوة آيات من كتابه. وأوجب في كل صلاة، وعلى كل مصل قراءة ((الفاتحة)) التي تعتبر أم الكتاب، وقد جمعت كل ما تفرق فيه نصا واشارة. ثم الانحناء المعروف باسم ((الركوع)) مصحوبا بالتكبير في الانخفاض والرفع. ثم يجىء السجود نهاية لما يتصور من وجوه التعظيم، وبذلك يكون العبد قد وقف من ربه في موضع العبودية الحقة، وكأن الله بتنظيم أسلوب تعظيمه على هذا الوجه يلفت نظر المؤمنين إلى أن تعظيمه يجب بمقتضى الايمان بربوبيته وألوهيته أن يكون فوق كل تعظيم عرفه الناس في تعظيم بعضهم لبعض. وأن هذه الصورة من التعظيم التي رسمها الله لنفسه لايصح أن يعظم بها غيره كما لايصح أن ينتقصها المؤمن أو أن يغير شيئا من أوضاعها; أو أن يزيد فيها، فهو سبحانه المعبود، وهو المعظّم، وقد شرع لنا طريق عبادته وأسلوب تعظيمه، وليس لاحد من خلقه أن يفكر أو يستظهر شيئاً غير ما رسم في تعظيمه بزيادة أو نقص.
ولعل هذا هو الاساس الذي بني عليه حظر الابتداع في الدين وفي سبيله كثرت الاحاديث الصحيحة في التحذير من البدع التي ينساق إليها الناس بناء على ما يتصورون من الزيادة في معنى العبودية.