/ صفحة 128/
تيسير الله على عباده في الصلاة:
وقد كان من رحمة الله بعباده وهي رحمة تعم الخلق والتشريع أنه في الصلاة - مع هذا الرسم الذي رسم - راعى التيسير على عباده فأدخل كثيرا من وجوه اليسر على هذه الفريضة، وقد رأينا أن اليسر تناولها من جهات: تناولها من جهة أوقاتها، فأباح للمؤمن أن يجمع بين صلاتين في وقت واحد. وقد اتفق الائمة على هذا المبدأ غير أنهم اختلفوا في مدى تطبيقه فاقتصر بعضهم فيه على الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم في وقت الظهر بعرفه، وبين المغرب والعشاء جمع تأخير في وقت العشاء بمزدلفة، ومنعوه في غير هذين المكانين، وغيرهم أجازوه في غير المكانين المذكورين، وأجازه بعضهم للسفر والمطر، وزاد بعضهم جوازه للمريض الذي تلحقه المشقة بالتفريق، وللمرضع والمستحاضة، ولمن خاف ضررا يلحقه في معيشته بترك الجمع، وتوسع بعضهم في جواز الجمع مطلقا بشرط الا يتخذ ذلك خلقا وعادة، وحكى ذلك الشوكانى عن جماعة من العلماء، وقال صاحب فتح البارى: ((و ممن قال به ابن سيرين، وربيعة، وأشهب، وابن المنذر، والقفال الكبير، وحكاه الخطابى عن جماعة من أصحاب الحديث، وحكاه غيره عن غيرهم وفي هذا من السعة واليسر ما يتفق مع أساس اليسر الذي بنيت عليه الشريعة الإسلامية، ومن شأن المومن أن يضع العزائم في محلها، والرخص في محلها، وألا يتخذ الرخص سبيلا وعادة بها يتحلل من أمر الله وتكليفه، والحكم في هذا هو ((الايمان، والاطمئنان)) فليرجع المرء فيما يريد من رخصة أو عزيمة إلى ايمانه والله عليم بذات الصدور.
وكما دخل اليسر الصلاة من جهة أوقاتها، دخلها أيضاً من جهة عدد ركعاتها، وفي هذا الجانب اتفق الائمة أخذا من نصوص التشريع على أن للمسافر أن يقصر الصلاة الرباعية، فيصليها ركعتين، ولكنهم اختلفوا: أهذا القصر فرض وواجب حتم على المسافر، أم سنة وفضيلة؟ والى كل من الرأيين ذهب فريق من الائمة.