/ صفحة 12/
وأمام هذا الطغيان في التحليل والتحريم بيّنت السورة ما أحله الله وما حرمه، وساقت في ذلك قوله تعالى ((أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلّي الصيد وأنتم حرم)) ومعناه أن الأنعام وهى الابل والبقر والغنم، أو هي وما يشبهها من بقر الوحش والظباء ونحوها حلال الا ما بينه الله بعد، والا ما صدتموه وأنتم محرمون، فإن الأول حرام على الاطلاق، والثانى حرام ما دمتم في الحرم أو محرمين، وقد ذكر الأول بقوله تعالى في السورة ((حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق)) . وذكر الثانى بقوله في السورة نفسها ((يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام احل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون)) .
ومما ينبغى التنبه له أن محرمات الطعام نزلت قبل هذه السورة في ثلاث سور نزلت في سورة الأنعام ((قل لا أجد في ما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم)) . ونزلت في سورة النحل بصيغة ((إنّما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم)) . ثم نزلت في سورة البقرة على نحو ما جاء في سورة النحل، ونزلت في سورة المائدة على نحو ما رأيت، وقد جاء فيها تفصيل لم يكن في ما نزل قبلها، كما أن ما نزل قبلها، مكياً كان أو مدنياً جاء فيها تفصيل لم يكن في ما نزل قلبها، كما أن ما نزل قبلها، مكياً كان أو مدنياً جاء بصيغة الحصر الصريح الواضح، أما هي فقد استفيد الحصر فيها من قوله في صدر الآية (( أحلت لكم بهيمة الأنعام الا ما يتلى عليكم)) . والذي تلى عليهم هو المذكور في قوله: ((حرمت عليكم الميتة)) إلى آخرة، ولم يخرج في جملته عن الأربع التي سيقت