/ صفحة 9/
التضامن المالي في الأُمة:
كما أشارت بإضافة الأموال إلى الجميع في قولها: "أموالكم" إلى أن الاعتداء الواقع على مال البعض هو اعتداء واقع على مال الجميع، وذلك نظراً لما قرره الإسلام من المسئولية التضامنية بين الأُمة، القاضية بأن المال جميعه - مع تقرر الملكية الشخصية فيه - أداه لمصلحة الناس كلهم: يساهم به أصحابه في سد حاجة المحتاجين، وتأسيس المشروعات العامة النافعة، ان لم يكن بحكم التبرع المالي الذي ندبت إليه الشريعة، وضاعفت الأجر والمثوبة عليه - فبحكم الزكاة التي أو جبها الدين، وجعلها ركناً من أركانه، وبحكم الضرائب العادلة التي يضعها أولو الأمر حسب تقدير المصالح التي تحتاج إليها البلاد من مشروعات الخير العام في نواحي الحياة.
أكل الأموال بالباطل يغرس الحقد ويفضى إلى التقاتل:
ولما كان أكل الأموال بالباطل من شأنه أن يغرس الحقد في القلوب، والتباغض في النفوس، وكثيراً ما يؤدى ذلك إلى الاغتيال والتقاتل، فيفسد النظام وتنتشر الفوضى، وتضطرب بالناس جوانب الحياة - نهت الآية بعد ذلك عن قتل النفوس "و لا تقتلوا أنفسكم" ولاريب أن المال - باعتباره مقوما من مقومات الحياة - شقيق النفس والروح، وأن من سلب مال إنسان فقد سلبه عنصراً هاماً من عناصر الحياة، وصيرّه في حكم المقتول إن لم يؤد ذلك إلى التقاتل بالفعل، وهو ما يحدث كثيرا وتشهد به سجلات المحاكم، وتقاير المسئولين عن الأمن في كل زمان ومكان، وحسب هؤلاء الذين يستحلون أكل أموال الناس بالباطل قوله تعالى بعده هذه الآية "و من يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا".
وقد جرت سنة الله في أمثال هؤلاء أنهم لا يكادون ينتفعون بهذه الأموال المحرمة، فان انتفعوا بها كان انتفاعهم غالبا مشوبا بالكوارث والفواجع، أو في الوجوه الفاسدة التي لا تعود عليهم إلا بالشر والضرر، وان استمر لهم أن ينتفعوا بها مدة حياتهم فلا يستمر انتفاع أبنائهم الذين جمعوا لهم هذه الأموال. ومن هذا الجانب نرى أن النار التي تؤعدوا بها ليست خاصة ينار العذاب الأخروي فحسب، وإنما هي أيضاً نار يصطلونها في حياتهم، ويصطليها أبناؤهم بعد مماتهم، هي نار الفقر أو الذلة أو الاعوجاج أو الأمراض أو الاحتقار بين الناس، أو سوء السمعة، وشواهد ذلك في الحاضر والماضي كثيرة، وما من بيئة إلا وفيها أمثالها، فليعتبر بها أولو الألباب.