/ صفحة 70 /
جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه" هذه الآيات لما كانت من كلام البشر كانت غير معجزة، فلما أصارها الله من كلامه جعلها معجزة.
وقد سخر الرافعي في كتابه من كلام ابن حزم هذا حيث قال: "لم تر أحداً فسر هذه الكلمة "الصرفة" كابن حزم الظاهري، فانه قال في كتابه: "الفصل" في سبب الاعجاز لم يقل ان كلام غير الله تعالى معجز، لكن لما قاله الله تعالى وجعله كلاماً له أصاره معجزاً، ومنع من مماثلته، قال: وهذا برهان كاف لا يحتاج إلى غيره" نقول: بل هو فوق الكفاية، وأكثر من أن يكون كافياً أيضاً، لأنه لما قاله ابن حزم وجعله رأياً له أصاره كافياً لا يحتاج إلى غيره، وهل يراد من اثبات الاعجاز للقرآن الا اثبات أنه كلام الله" نحن لا نقر الرافعي على هذا المسلك الذي سلكه، وعلى هذا التناول الذي تناول به كلام ابن حزم، فان الرجل أطال الكلام في تأييد مذهبه، ولو كان الرافعي منصفا لتناول أقوى ما في كلام ابن حزم ولم يأخذ بعض كلامه ويترك بعضاً على أنه أخذ لا يقارع الحجة بالحجة، ولا يبسط المسألة كما ذكرها صاحبها، وإنما يلخصها تلخيصاً هو أقرب إلى المسخ.
ونرجع إلى كتب الكلام فنجدها هي أيضاً قد تعرضت لهذا المذهب، ولكنه تعرض خفيف لا يعدو تصوير المذهب في صورة من الضعف لا يمكن أن ينهض معها على حجة.
وذكر صاحب "المقاصد" أدلة ثلاثاً على بطلان الصرفة:
الأول: أن فصحاء العرب إنما كانوا يتعجبون من حسن نظمه وبلاغته في جزالة، ويرقصون رؤوسهم عند سماع قوله تعالى: "و قيل يا أرض ابلعي ماءك" الآية، لذلك لا لعدم تأتي المعارضة مع سهولتها في نفسها.
الثاني: أنه لو قصد الاعجاز بالصرفة لكان المناسب ترك الاعتناء ببلاغته وعلو طبقته، لأنه كلما كان أنزل في البلاغة وأدخل في الركاكة، كان عدم تيسر المعارضة أبلغ في خرق العادة.