/ صفحة 71 /
الثالث: قوله تعالى: "قل لئن اجتمعت الانس والجن" الآية. فان ذكر الاجتماع والاستظهار بالغير في مقام التحدى إنما يحسن فيما لا يكون مقدورا للبعض، ويتوهم كونه مقدوراً للكل فيقصد نفى ذلك.
قال ابن كمال باشا في رسالة له خطية: القول الأول كما يبطل القول بالصرفة يبطل سائره في غير القول بالبلاغة في الطبقة العالية الخارجة عن طوق البشر، بل هو في الحقيقة دليل القائلين بها، والثاني والثالث إنما يبطلان الصرفة على أحد الاحتمالين، وهو الذي اختاره الأستاذ والنظام.
قلت: وقد ذكرت رد ابن حزم على الدليل على الثاني، وأما الأول فلم ينكر أصحاب الصرفة أن القرآن بالغ الغاية في الفصاحة، ولذلك كان العرب يتعجبون منها، ولكنها ليست سبيل الاعجاز عند بعضهم، أما أنهم لم يتعجبوا من عدم تأتى المعارضة، فتسوق أولا كلام صاحب الطراز هنا قال في الرد على المذهب: البرهان الأول منها أنه لو كان الأمر كما زعموه من أنهم صرفوا عن المعارضة مع تمكنهم منها لوجب أن يعلموا ذلك من أنفسهم بالضرورة، وأن يميزوا بين أوقات المنع والتخلية، ولو علموا ذلك لوجب أن يتذاكروا في أمر هذا المعجز على جهة التعجب ولو تذاكروه لظهر وانتشر على حد التواتر، فلما لم يكن ذلك دل على بطلان مذهبهم في الصرفة، لا يقال انه لا نزاع في أن العرب كانوا عالمين بتعذر المعارضة عليهم وأن ذلك خارج عن العادة المألوفة لهم، ولكنا نقول من أين يلزم أنه يجب أن يتذاكروا ذلك ويظهروه حتى يبلغ حد التواتر، بل الواجب خلاف ذلك، لأنا نعلم حرص القوم على ابطال دعواه، وعلى تزييف ما جاء به من الأدلة فاعترافهم بهذا العجز من أبلغ الأشياء في تقرير حجة، فكيف يمكن أن يقال بأن الحريص على اخفاء حجة خصمه يجب له الاعتراف بأبلغ الأشياء في تقرير، وهو إظهاره واشهاره، لأنا نقول هذا فاسد، فان المشهور فيما بين العوام فضلا عن دهاة العرب أن بعض من تعذر عليه بعض ما كان مقدوراً له، فانه لا يتمالك في إظهار هذه الاعجوبة والتحدث بها.