/ صفحة 7/
بين ذلك قواما" ونهى عن الإسراف فيه، كما نهى عن الضن به على الحقوق والواجبات، تو نبه إلى أن الإسراف والضن كلاهما يوقع المرء في اللوم ويسلمه إلى الكلال والضعف "و لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسوراً" والمحسور: من انكشف أمره، أو انحسرت قوته وزالت، فانكشف ضعفه، وهكذا نجد القرآن ينهى عن البخل، ويصور البخيل بهذه الصورة البشعة، صورة من غلت يده إلى عنقه فصار عاجزاً عن أن يحركها أو ينتفع بها، ونراه في الوقت نفسه ينهى عن السرف ويحذر عاقبة المسرف الذي ينفق ماله فيما لا خير فيه، ولا يزال ينفق حتى ينفد ماله وينكشف حاله، ويظهر عجزه، وتزول قوته، وتلحقه الحسرة النفسية، والندامة القلبية لفقده عنصر الحياة والعزة، وكم رأينا من بيوت خرَّت على عروشها، وأصبح أهلها في عداد المتسولين بشؤم الاسراف والتبذير.
و هذه آية من سورة النساء يوجّه فيها الخطاب للمؤمنين عن طريق النداء بوصف الإيمان المشعر بأن الحكم تضمنته من مقتضيات الإيمان "يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" وقد جاء في سورة البقرة قوله تعالى: "و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون" ومجموع الآيتين يرشد إلى أن التعدي على الأموال، وانتهاك حرمتها، وسلبها بغير حق شرعي قتل للأنفس، وإماتة لعنصر الحياة فيها وإثم كبير.
حرمة الأموال العامة:
ولا ريب أن الأموال في الآيتين تشمل أموال الأفراد وأموال الأُمة، وأنه كما يحرم على الأفراد أن يأكل بعضهم مال بعض بالباطل الذي لا يقره عرف صحيح، ولا يبرره عقل سليم، فإن حرمة أكل أموال الأُمة، أو وضعها في غير مصلحتها، وفي غير ما تحتاج إليه أشد عند الله حرمة، وأكبر في نظر الإنسانية جرما، وإذا كان العبث بأموال الأفراد اعتداء على حق الأفراد وفي استطاعتهم أن يكافحوا هذا الاعتداء،فإن العبث بأموال الأُمة اعتداء على حق العامة الذي يسمى في الشريعة حق الله، وليس له من قوة تحميه إلا اليد المهيمنة عليه المتصرفة فيه، فكيف لو كانت هي التي تأكله بالباطل، والتي تبذره في غير مصلحة؟