/ صفحة 67 /
الابواب، ثم قال: وذكرنا من صرف أوهام العرب عن محاولة معارضة القرآن وأنهم لم يأتوا به مضطرباً ولا مغلقاً ولا مستكرهاً، إذ كان في ذلك لأهل الشغب متعلق.
فعند الجاحظ أن بني إسرائيل كانوا قادرين على أن يخرجوا من التيه، وأن يعقوب ويوسف كان يمكن أن يعرف أحدهما الاخر، وأن سيدنا سليمان حين مات وهو متكىء على عصاه، والجن يعانون أنواع العذاب، كان من الممكن حفا أن يعرفوا أنه مات، وأن العرب كانوا قادرين على الاتيان بمعارضة للقرآن يمكن أن يشتبه في أمرها، وأن تجد من يستجيدها ويزعم أنها كالقرآن ـ وان لم يمكن أن يأتوا بمثل هذا القرآن في نظمه البديع الذي يعجز عن مثله العباد كما قال.
وقد أعاد الرافعي في كتابه "اعجاز القرآن" هذا الدليل وأجاب عنه.
ونحن نذكر الدليل ورده.
قال الرافعي: "لا جرم كان من الرأي القائل والمذهب الباطل قول أولئك الذين زعموا أن الاعجاز كان بالصرفة ـ على ما عرفت من معناها ـ وما دعاهم إلى القول بها الا عجبهم، كيف لم يأت للعرب أن يعارضوا السورة الصغيرة والآيات القليلة مع هذا التحدي، ومع هذا التقريع وهم الله الخصمون. والكلام سيد عملهم، ولهم فيه المواقف والمقامات؟
ثم يجيب بما لا يخرج عن هذه العبارات التي ذكرها في أول ذاك الفصل، حيث يقول: "وقد استيقن بلغاء العرب كل ذلك ـ يريد ما قدمه من وصف رائع لأسلوب القرآن ووجوه تركيبه ـ فاستيأسوا من حق المعارضة إذ وجدوا من القرآن ما يغمر القوة، ويحيل الطبع، ويخاذل النفس مصادمة لا حيلة فيها ولا خدعة وإنما سبيل المعارضة الممكنة التي يطمع فيها أن يكون لصاحبها جهة من جهات الكلام لم تؤخذ عليه، وفن من فنون المعنى لم يستوف قبله، وباب من أبواب الصنعة لم يصفق من دونه، وأن تكون وجوه البيان له معرضة، يأخذ في هذا ويعدل عن ذاك، حتى يستطيع أن يعارض الحسنة بالحسنة، ويضع الكلمة بإزاء الكلمة، ويقابل الجملة بالجملة، ثم يصير الأمر بعد ذلك إلى مقدار التأثير الذي يكون لكلامه والى مبلغه في نفوس القوم من تأثير الكلام الذي يعارضه،