/ صفحة 65 /
المسألة الثانية: أننا نلمح اختلافا عند القائلين بالصرفة في المراد منها، فابن سنان يجعل القرآن من جنس كلام العرب، وابن حزم يجعل القرآن خارجا عن البلاغة المعهودة، والجاحظ ـ كما فهمنا من عبارته ـ يقرر أن الصرف كان عن أي معارضة للقرآن يمكن أن تدخل الشبهة بها على الاعراب وأشباه الاعراب.
المسألة الثالثة: أن القائلين بهذا لم يعمدوا إلى التهوين من شأن القرآن في بلاغته وفصاحته، بل كلهم حريص شديد الحرص على أن يثبت أن القرآن في درجة عالية من البلاغة، لا خلط فيه ولا اضطراب، ولا ضعف ولا ركاكة، وإنما هو تنزيل من حكيم حميد، نزل به الروح الامين بلسان عربي مبين، وأنه موضع التقديس والاجلال، وأن هذه الحملة من خصومهم التي ترميمهم بالتهوين من شأن القرآن والحط من منزلته لا سند لها ولا مبرر يبررها.
وقد أطلت النظر فيما عرض لهذا المذهب من الكتب، واستخرجت منها ما قيل فيه وما قيل له، وهاأنذا أضعها بين يدي القراء تاركا لهم الحكم.
لم نجد للنظام قولا شافيا، ولكن أول ما عثرنا عليه هو ما ذكره الجاحظ في موضعين من كتابه "الحيوان" قال في أولهما: "ثم طعن في ملك سليمان وملكة سبأ ناس من الدهرية، وقالوا زعمتم أن سليمان سأل ربه فقال: "رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي" فملكه على الجن فضلا عن الانس، وعلمه منطق الطير، وسخر له الريح، ثم زعمتم أنه لا يعرف باليمن ملكة هذه صفتها، فكيف يجهل سليمان موضع هذه الملكة مع قرب دارها، واتصال بلادها؟ قلنا: ان الدنيا إذا خلاها إليه، وتدبير أهلها، ومجارى أمورها وعاداتها، كان ـ لعمري ـ كما تقولون، ثم يسوق أنواعا من الغرائب، فيذكر يعقوب ويوسف، وكيف أن يعقوب لم يعرف مكان يوسف، ولا يوسف عرف مكان يعقوب مع النباهة والقدرة واتصال الدار، ويذكر موسى ومن كان معه في التيه، وكيف أنهم ظلموا يتسعكون أربعين عاما من مقدار فراسخ يسيرة، وما كانت بلاد التيه الا من ملاعبهم ومنتزهاتهم، مع أن العسكر لا يعدم الاولاد والجمالين والمكارين والرسل