/ صفحة 62 /
فمع تقديري للعالم الكبير لا أرى قوله هذا مما يدخل في باب الحجة والبرهان ولا يصلح أن يرد به على خصم أو يقضى على رأي، وليس صحيحاً أنه: قول من لم يجعل الله له من معرفة البلاغة حظاً ولا حصل من شرائف حقائقها الا حكاية ولفظاً فمن ضائقة العجز والجهالة لجأ إلى هذه الضلالة، فحسبنا النظام، وأبو عثمان الجاحظ وابن سنان، وابن حزم، وهم من بلاغة وعلما ومعرفة، على أنه من الطريف أن نذكر هنا أن ابن سنان الخفاجي يرى أن معارضي هذا الرأي إنما هم الأعجام الذين لا يدركون البلاغة الا بالتقليد. كما أنه ليس صحيحا أن هذا المذهب خال من الاستناد إلى حجة ولو ضعيفة، والتعويل على شبهة ولو سخيفة، فاننا نجد في كتبهم أنهم سطروا عليه أدلة كثيرة ولكن يظهر أن أكثرها أضاعه الخصوم كما انا لا نعدم في كتبهم وكتب خصومهم بعض الأدلة وسنسوقها بعد قليل.
ومثل كلام هذا العالم الجليل كلام الكاتب الكبير الأستاذ "مصطفى صادق الرافعي" في كتابه "اعجاز القرآن" فانه تناول المذهب تناولا خطابيا لا حجة فيه ولا برهان، وذلك حيث يقول "و هو عندنا رأى لو قال به صبية المكاتب وكانوا هم الذين افتتحوه وابتدعوه لكان ذلك مذهبا من تخاليطهم في بعض ما يحاولونه إذا عمدوا إلى القول فيما لا يعرفون ليوهموا أنهم قد عرفوا، وعلى الجملة فان القول بالصرفة لا يختلف عن اقول العرب فيه: "ان هو الا سحر يؤثر".
ثم نعود إلى كلام الكاتب الأستاذ الفكيكي فنقول: ذكر الأستاذ ردا على القائلين بالصرفة، تابع فيه القدماء من علماء الكلام حيث يقول: "و لو كان الاعجاز بالصرفة لكان الركيك من الكلام أبلغ في باب الاعجاز" وهو كلام قديم رد عليه ابن حزم الظاهري ردا عنيفا فقال: فهذا هو الكلام الغث حقا لوجوه (أحدهما) أنه قول بلا برهان. (ثانيها) أنه لا يسأل الله عما يفعل، ولا يقال له لم عجزت بهذا النظم دون غيره، ولم أرسلت هذا الرسول دون غيره، ولم قلبت عصا موسى حية دون أن تقلبها أسدا؟ (ثالثها) أنهم حين طردوا سؤالهم ربهم بهذا السؤال الفاسد، لزمهم أن يقولوا: هلا كان هذا الاعجاز في كلام بجميع اللغات فيستوى