/ صفحة 57 /
يتبين من هذا أن حجة الإسلام لم يكن فيلسوفا بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة في يوم ما، وكيف يكون فيلسوفاً وهو يقر بعجز العقل كما ورأينا، ويلتجىء إلى الذوق الذي لا سبيل للصوفية سواه. ثم كيف يكون فيلسوفاً وقد رضي لنفسه من أول الأمر عقائد الدين فقيد نفسه بها، وهذا من حسن جده وجد المسلمين، ولهذا نصب نفسه للدقاع عنها راكباً في ذلك الصعب والذلول، وقد كان من ذلك ما جعله ينكر - على ما هو معروف - أن يكون شيء سبباً لشيء آخر يلزم من وجوده وجوده، ومن عدمه عدمه. ويصرح بأن الاقتران بين ما يعتقد في العادة سببا، وبين ما يعتقد مسبباً ليس ضرورياً، وأن اقترانهما في رأينا، هو لما سبق من تقدير الله سبحانه لخلقهما على التساوق، لا لكونه ضروريا في نفسه... إلى آخر ما ذكر في هذه المسألة في كتابه تهافت الفلاسفة (1)
لقد شك الغزالي أول حياته في مدى صحة الآراء والأفكار الموروثة، بل في مدى قدرة العقل على الوصول للحقيقة، والشك طريق التفلسف والخطوة الأولى للبحث الحر، ولكن شكه لم يصل به إلى الفلسفة، بل إلى التصوف الذي كان السبيل اليقيني في رأيه إلى المعرفة
لقد كان الغزالي حجة الإسلام حقا، ومفكراً عالي المرتبة وحكيما بعيد النظر حين جعل الناس طبقات ثلاث:
العامة، ولهم في الوصول إلى العقائد الدينية: القرآن والحديث.
والمتكلمون ومن في حكمهم من الفقهاء والمحدثين ونحوهم، ولهم على الكلام وأدلته.
ـــــــــــــــــــــ
1 - لقد ضل كثير من العامة سواء السبيل، ولم يفهموا رأى الغزالي في مسألة الأسباب والمسببات وما بينها من رابطة، واستناموا لما قاله من قدرة الله تعالى على إحداث الشبع بدون الأكل، والري بدون الشرب; وكان من هذا أن أهملوا في الأخذ بأسباب النجاح في الحياة العامة أو الخاصة، فلم يصلوا إلى شيء مما رجوا، وباءوا بالفشل المبين وقد نجد مصداق هذا في الأفراد، كما نجد مصراقا له في الجماعات والحكومات، والله المستعان!