/ صفحة 42 /
المادية الحرفية لا تمثل طبيعة الوجود لأنها تدعو إلى "الفردية" أول ما تدعو ومعنى الفردية أن يكون الفرد، فيما لا سبيل إلى التجربة فيه، هو نفسه مقياس التقويم ; ومقياس الحكم على أمر من الأمور التي لا تخضع للتجربة: بأنه مستحسن أو مستقبح، وجائز مشروع أو غير جائز مشروع. ومعناها أيضاً أن يكون الفرد كذلك هو نفسه غاية الوجود وأن يكون ما عداغه طريقاً ووسيلة لهذه الغاية: فليست هناك حرمات حتى تصان عن الانتهاك، ولا عرف في الجماعة حتى يراعى طالما الفرد يرى في إلغاء اعتبارها طريقا لوجوده الخاص، وفرديته المستقلة. والفردية إذا تفشت في جماعة ما ضاع كيان هذه الجماعة. لأن المقوِّم الرئيسي فيها - وهو روح المشاركة والمعاونة - لا يبقى مع سيطرة الفردية. وضاع ما فيها من عرف وما لها من تقاليد; وخف وزن تراثها الماضي في تحديد أهدافها المستقبلة، وبالتالي لم يعد لها هدف يحدد لأنها لم تعد جماعة ينطوي في وجودها وجود أفرادها. المادية الحرفية تضيق ذرعا بانقانون، لأن القانون ليس وليد البيئة المادية فحسب; بل ينطوي أيضاً على اعتبار القيم الرفيعة التي تنشدها الجماعة، كما ينطوي على الحرص على التقاليد السائدة في الجماعة ومالها من مميزات خاصد تفارق بها جماعة أُخرى. القانون إذا عاقب السارق، أو هاتك العرض، أو المعتدى على حرمات الغير بوجه عام، يطلب في الوقت نفسه الأمانة، ورعاية الحرمات.