/ صفحة 417/
الظمأ، فينحرون بعيرا يشربون ما في بطنه، وقد يشتد بهم الجوع فيأكلون لحمه أو يأكلون بذر الحنظل الذي تنبته الصحراء، يطحنونه بحجر صغير يحملونه معهم لذلك.
يسكن الملثمون بيوتاً من الطوب بسيطة، وأكثرهم يتخذ خياما من جلود الحيوانات المدبوغة الملونة ذات التطريز والتخريم البديع، وقد أتقنوا صناعة الدباغة إلى حد بعيد، كما أتقنوا مصنوعات الجلد التي يجلبونها إلى المدن فتباع بأثمان عالية لجمالها، وبيوتهم هذه من أجمل ما يرى الناظر، وأما بيوت الطوب فتتخذ للسكنى ولخزن المؤن، ومما يدل على علو أخلاق هؤلاء الناس أنهم يتركون هذه البيوت بما فيها وترتحلون عنها، ومن عاداتهم إكرام الضيف وإيواء ابن السبيل في الغيبة والحضور، ففي حال وجودهم لا يتركون من يمر بهم يذهب دون أن ينزل ضيفاً عليهم ثلاثة أيام ثم يزودونه ويرحل، وإذا كانوا غير حاضرين فللضيف أن يفتح البيوت وينزلها ويأكل مما فيها ثلاثة أيام، ثم يرتحل ويوصد الأبواب كما وجدها، ومن المتعارف عندهم أنه إذا ضاع لأحدهم حيوانات من مكاسبهم ودخلت في قطعان الآخرين وضع الذي دخلت عنده الحيوانات الضائعة علامة لها، وتركها ترعي مع حيواناته، ثم يعلن عن جودها عنده لكل من يريد، وكذلك صاحبها يعلن عن فقدانها ويعطي أوصافها لكل من مر به، وقد تغيب الضاله عن صاحبها سنوات، وإذا ظفر بها أخذها مع ما أنتجته في تلك المدة، ومتى انتجعوا في زمن الربيع الكلأ خرجوا إليه ووزع أغنياؤهم على فقرائهم قطعانا من الغنم والماعز ليأكلوا درها وسمنها، ويأكلوا حتى لحوم خرفانها، فإذا انتهت أشهر الربيع الثلاثة أرجعوها لأصحابها، ويأتي الرجل منهم إلى تاجر في إحدى عواصم الشمال الإفريقي الغربية في الصحراء، ويطلب منه مالا للعمل به في التجارة على وجه الشركة فيسلمه إياه، ويذهب ويأتيه بعد سنة ومع رأس المال والأرباح فيضعها أمامه ويقول له: خذ قسطك وأعطني قسطي، وإن شئت أعدنا، وإن شئت افترقنا على خير، وإذا مات الملثم جاء أحد أقاربه أو أحد رجال قبيلته بالمال