/ صفحة 415/
دولة المرابطين
لحضرة المجاهد التونسي الكبير السيد محيي الدين القليبي
تحدثت إلى القراء في العدد السابق من هذه المجلة عن الرباط في سبيل الله وعن المرابطين ـ وأتحدث إليهم في هذا العدد عن الدولة التي أقامها المرابطون وضمت الأندلس وبلاد المغرب الإسلامي إلى سلطانها، ووقفت بذلك ـ فترة طويلة من الزمن ـ تقدم الأسبانيين وعطلت عملهم لإجلاء المسلمين عن بلاد الأندلس.
كان ظهور هذه الدولة على يد جماعات بربرية من قبيلة (لمتونة) الشهيرة بين قبائل البربر الكبيرة التي كان لها دور بارز في التاريخ الإسلامي بشمال أفريقيا، وكان مما امتازت به هذه القبيلة أن رجالها يضعون النقاب على وجوههم فلا ترى من وجه الواحد منهم إلا عينيه ـ ولا يرفع النقاب إلا عند ما يتوضأ أو يتيمم للصلاة، فعندها يستقبل الخلاء حتى لا يشاهد أحد وجهه، أما الطعام والشراب فيدخله من تحت النقاب إلى فمه. ولذلك سموا بالملثمين ـ وعلى العكس من ذلك المرأة عندهم، فهي سافرة السفور المحتشم، وهو كشف الوجه، والكفين.
فالرجل يعمل في التجارة بواسطة قوافل الجمال، يكد لاكتساب الرزق، ضاربا في الصحراء الأفريقية الكبرى، مستهيناً بحرها المحرق، وظمئها القاتل، وسباعها الضارية، وثعاليبها وأفاعيها التي تحمل في أنيابها العطب ـ فالرجال يحملون على الجمال البضائع المختلفة من أثواب وأقوات وغيرها من عواصم مراكش والجزائر وتونس وليبيا الغربية من الصحراء إلى صحاري أفريقيا ومجاهل سوادينها يبيعوها مقايضة ببضائع أُخرى، هي مصنوعات ومواد أولية يحملونها ليبيعوها إلى تجار تلك العواصم ـ كريش النعام، وناب الفيل، وجلود التعايين والسباع والمذبوحة ـ فهم عمار الصحراء، وقادة أساطيلها التي تسيح في الرمال.