/ صفحة 412/
(والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين، وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل) إلى قوله تعالى: (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم). الآيات من 107 ـ 110 من سورة التوبة فأمر (عليه السلام) بتحريقه وهدمه، وأن يتخذ محلا تلقي فيه الكناسة والجيف ولذلك قال أصحاب مالك: لا يجوز أن يبنى مسجد إلى جنب مسجد لئلا يضر بأهل المسجد الأول، ويجب هدمه، والمنع من بنائه إلا أن تكون المحلة كبيرة، ولا يكتفي أملها بمسجد واحد فيبني الثاني.
ومن فضل المسجد أنه كان يتخذ مركزاً للثقافة الإسلامية في أوسع معانيها، واختلاف ضروبها، وذلك أمر طبيعي، لان القراءة ولو أنها عرفت في الجزيرة العربية قبل الإسلام، فقد ذكر البلاذري في فصله المسمى (أمر الخطر): (دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلا كلهم يكتب) غير أن هذا لم يكن عاما حتى ظهور القرآن، فليست علاقة القرآن بالقراءة علاقة اشتقاق فقط، بل هي علامة تاريخية، لأن تطور القراءة والتعليم والتربية راجع إلى القرآن، فهناك تسلسل وارتباط لا يستهان بهما.
فالباعث الأكبر إذن على نشر العلم كان دينياً، ولهذا كان طبيعياً أن تكون أماكن العبادة مدارسه، وبيوت الله معاهده، وأن يقوم رجال الدين بمهمة التعليم في حلفات ومجالس، فإن المدارس بمعناها الفني، لم تعرف إلا في القرن الرابع الهجري.
ذكر الحافظ الهيثمي في (مجمع الزوائد) عن قرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا جلس جلس إليه أصحابه حلقا حلقا.
وقال أنس: كان الصحابة إذا صلوا الغداة، قعدوا حلقا حلقا يقرءون القرآن ويتعلمون الفرائض والسنن.
وقد بوّب البخاري في صحيحه: (باب الحلق والجلوس في المسجد) أي جواز ذلك فيه، لتعلم العلم، وقراءة القرآن والذكر ونحو ذلك، وأنا التحلق فيه، للتحدث في أمور الدنيا فغير جائز، وعليه يحمل حديث مسلم عن جابر (دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المسجد وهم حلق، فقال: مالي أراكم عزين).