/ صفحة 411/
إن الغرض الأول الذي من أجله أنشئ المسجد هو بلا ريب عبادة الله كما قال تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تليهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله).
ثم استخدم ليكون منتدى لجماعة المسلمين تقوى به رابطتهم، وتتوثق فيه صلاتهم، فيتشاورون فيما يهمهم من أمور دينهم، ويتباحثون فيما يعود بالخير على جماعتهم.
فكانت تقام فيه صلاة الجماعة خمس مرات في اليوم، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يباشرها بنفسه، حتى إنه هم أن يحرّق الدور على الذين لم يشهدوا معه الجماعات كما في الصحيحين.
ثم تقام فيه ايضا صلاة الجماعة كل أسبوع، ثم صلاة العيد مرتين في العام، وهذه الاجتماعات إنما كانت تقام في أول عهدها في مسجد رئيسي هو المسجد الجامع الذي يجتمع فيه أهل كل بلد.
فلما اتسعت الأمصار وازدحم الناس جاز عند بعض الأئمة أن تتعدد الجمعة.
وفي صلاة الجماعة تدريب على النظام، وتعويد على القتال صفوفا، قال الإمام أحمد: إن بلالا كان يسوّي الصفوف، ويضرب عراقبهم بالدرة، على أن ذكر الله في المساجد لم يكن قصرا على وقت أداء الصلاة، بل كان المسجد موطنا للذكر في كل الأوقات.
ولما للمسجد من هذا الأثر العظيم في توثيق عرى الأخوة بين جماعة المسلمين والتوحيد في ميولهم، والتقريب بين غنيهم وفقيرهم، وإيلاف قويهم وضعيفهم حدثت حادثة مسجد الضرار.
ذلك أن اثنى عشر رجلا من المنافقين اتخذوا لهم مسجداً، حسداً وضراراً بالمسلمين، وتفريقاً لكلمتهم، واتخاذه منتدى الطعن على رسول الله فيه لتختلف الكلمة، وتنشقق عصا الجماعة، فهو أشبه شئ بناد للتآمر والإضرار.
طلبوا من رسول الله صلوات الله عليه أن يفتتحه بالصلاة فيه، فهمّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجيبهم إلى طلبهم، فأنزل الله تعالى: