/ صفحة 410/
(أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله).
أما ما رواه مسلم فهو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك).
ثم أصبحت كلمة (الجامع) نعتاً للمسجد، وإنما نعت بذلك لأنه علامة الاجتماع، وما كانوا في الصدر الأول يفردون كلمة (الجامع) وإنما كانوا تارة يقتصرون على كلمة (المسجد) وطوراً يصفونها فيقولون المسجد الجامع، وآونة يصفونها إلى الصفة فيقولون: (مسجد الجامع) ثم تجوّز الناس بعد واقتصروا على الصفة، فقالوا للمسجد الكبير وللذي تصلي فيه الجمعة وإن كان صغيراً الجامع لأنه يجمع الناس لوقت معلوم.
وأول مسجد بنى في الإسلام هو مسجد قباء، الذي يقال له مسجد التقوى، لقوله تعالى: (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه).
ولما افتتح عمر بن الخطاب البلدان كتب إلى أبي موسى الأشعري وهو على البصرة يأمره أن يتخذ مسجدا للجماعة، ويتخذ للقبائل مساجد، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة.
وكتب إلى سعد بن أبي وقاص وهو على الكوفة بمثل ذلك، وكتب إلى عمرو بن العاس وهو على مصر بمثل ذلك أيضا، وكتب إلى أمراء أجناد الشام ألا يتبددوا إلى القرى، وأن ينزلوا المدائن، وأن يتخذوا في كل مدينة مسجدا واحداً، ولا تتخذ القبائل مساجد، فكان الناس متمسكين بأمر عمر وعهده، وكانت صلاة الجمعة تؤدي في المسجد الجامع.
بعد هذه المقدمة اللغوية التاريخية نأخذ في بيان فضل المسجد على الثقافة الاسلامية، مقتصرين في مقالنا هذا على عصر النبوة، ثم نتلوه إن شاء الله بالعصور الأُخرى، فنقول: