/ صفحة 409/
والسجود بمعنى التطامن والتذلل عام في الإنسان والحيوان والجمادات، قال الراغب في مفرداته:
السجود أصله التطامن والتذلل وهو ضربان: سجود اختيار وليس ذلك إلا للإنسان وبه يستحق الثواب نحو قوله تعالى (فاسجدوا لله واعبدوا) أي تدللوا له وسجود تسخير وهو للإنسان والحيوان والنبات، وعلى ذلك قوله تعالى (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها) وقوله: (يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله، فهذا سجود تسخير وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة، وأنها خلق فاعل حكيم.
ثم أخذ (السجود) معنى شرعياً جديداً، وهو مخصوص في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة الذي لا يتم إلا بوضع الجبهة والأنف واليدين والركبتين والرجلين على الأرض.
ومن هذا صح التعبير بالسجود عن الصلاة كما في قوله تعالى: (فسبحه وأدبار السجود) أي أدبار الصلاة، ويسمون صلاة الضحى سجود الضحى.
فالمسجد موضع السجود سواء أكان سجوداً شرعياً بوضع الجبهة على الأرض، أم سجوداً لغوياً بمعنى التذلل والتقديس، وخضوع العبادة على أي صورة كانت تلك العبادة والتقديس.
وقد جاءت لفظة (المسجد) مستعملة في القرآن والحديث في شأن من كانوا قبل الإسلام، للدلالة على موضع العبادة، على أية صورة كانت تلك العبادة، قال تعالى في سورة الكهف: (قال الذين غلبوا على أمرهم لتخذن عليهم مسجدا).
وفي الحديث الذي رواه البخاري في كتاب الصلاة، وفيما رواه مسلم في كتاب المساجد، قد استعمل (المسجد) الدلالة على كنيسة بيزنطية. ففيما رواه البخاري (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). وفيه أيضاً عن عائشة أن أم سلمة ذكرت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كنيسة رأتها بأرض الحبشة، فذكرت له ما رأت فيها من الصور، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):