/ صفحة 397/
المسيحي التقي أن يخضع لها لتخليص نفسه وإلا ذهب للجحيم، وإذ ليس لأحد أن يقوم بإجراءات هذه الأسرار غير أفراد من الإكليروس، فقد صاروا بالإضافة لدعاويهم العريضة الأُخرى يتدخلون في الصغيرة والكبيرة، فتقلوا على الناس وعلى الدولة حتى أفسدوا الحريات، فرأت السلطات المدنية في أوروبا أن تتخلص منهم نهائياً فقررت فصل الدين عن الدولة، لا سيما والمسيح (عليه السلام) يقول: (مملكتي في السماء).
إن رجال (1) الدين في الإسلام، أناس لا سلطان لهم على أحد، ولا ينقطعون لشئون الدين كما ينقطع أمثالهم في الديانات الأُخرى، بل يعيشون كما يعيش الناس يعنون بشئونهم الدنيوية، فيفتحون الحوانيت، ويؤسسون المتاجر، ويمتهنون الحرف، ويتعاطون أسباب الرزق، ويأكلون لقمتهم بكدهم وعرق جبينهم. وينشئون الأسر فيتزوجون ويربون البنين والبنات، إذ لا رهبانية في الإسلام، وينغمسون في الأمور الدنيوية إلى أذقانهم، إنما عليهم كغيرهم من الناس الذين ظفروا بنصيب من العلم، أن يرشدوا إخوانهم في الدين إلى أوامره ونواهيه بطريق التذكير، لا على وجه الأمر والاستعلاء حتى قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): (إذا أمرتم بمعروف، فليكن أمركم بمعروف).
وعليه، فإن الإسلام وهو خلو من (الأسرار) وليس له كهنوت يحتكر تفسير الكتاب المقدس، ويصدر أحكاماً تعتبر معصومة (2) عن الخطأ والغلط، ليس من طبيعته أن يؤلف حكومة دينية بالمعنى الذي عرف عن دولة الكنيسة، تلك الدولة التي بالاستناد إلى نصوص من الكتاب المقدس وتفسير، حطمت مصباح العلم وأطفأت جذوة المعرفة، وقذفت بالعلماء إلى وسط المحارق.
ــــــــــ
مع العلم أنه ليس في الإسلام رجال دين بالمعنى المعروف في الأديان الأُخرى، ولكنا وضعنا هذا التعبير لإيضاح المسألة.
من تعاليم الكنيسة، أن البابا معصوم عن الخطأ والغلط حين يمارس تعليم العقائد التي يجب الإيمان والعمل بها (التعليم المسيحي. ج 8 الدرس 4 طبعة عريضة ـ لبنان 19 تموز سنة 1949).