/ صفحة 396/
ما حققه العرب في فترة من فترات تاريخهم السياسي، استلزمت أن يشهد به مؤرخ أوروبي عظيم فيقول: (إن العرب أول من علم الناس، كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين).
(من أجل هذا، لم يعد يستقيم النظر إلى الدين في الإسلام، من خلال الكوة التي ينظر منها إلى غيره من الأديان، ولا أن ننفيه عن شئون الحياة، إلا إذا أردنا أن ننفي العنصر الأخلاقي عنها.
هذا هو تحديد الدين في الإسلام كما أفهمه، فإذا أردت بعد ذلك أن أجيب على السؤال الذي وضعته وهو: هل يربط الإسلام بين الدين والسياسة؟ فلا أتردد في الإجابة بقول: نعم، إنه يربط بينهما على نحو ما رأيت، على خلاف ما تفعل المذاهب السياسية الحديثة.
وليس قولنا إن الإسلام يربط بين الدين والدولة، مجرد مذهب نقول به على الجراز، بل إن الإسلام ليحتم هذا الربط ويفرضه فرضا، لأن الدين في الإسلام ـ على الحقيقة ـ ليس إلا هذا الهرمون الأخلاقي الذي بدونه يفقد النظام السياسي وكل نظام آخر، عنصري الخير والصلاح الواجب توفرهما فيه.
وعلى هذا الأساس، لا يمكن فصل الدين عن الدولة بحال من الأحوال، إلا إذا أردنا أن نفي الأخلاقي إلى ركن مظلم.
أما فصل الدين عن الدولة كما وقع في أوربا، فقد نشأ عن ادعاء الكنيسة أنها تلك السلطتين الدينية والمدنية، الممنوحتين للبابا بالحق الإلهي، وأن الأباطرة ومن دونهم من الحكام المدنيين يجب أن يكونوا تبعا له، وألا يقطعوا بأمر دون أمره (1)، ومن المعلوم أن للكنيسة أسراراً وقوانين تجعل لها وحدها حق تخليص الناس من الخطيئة الأولى، وقد عبر أحد الآناء عن ذلك بإيجاز فقال: (ليس من خلاص خارج الكنيسة) ولما كانت الكنيسة تعتبر أن كل طفل بولد مزوداً بهذه الخطيئة، فقد نظمت سلسلة من الإجراءات دعتها (الأسرار)، على
ــــــــــ
هذا إلى أن الباب معصوم عن الخطأ والغلط.