/ صفحة 394/
المفجع، نتيجة انقراض جيل رشيد من علماء الدين ومفكريه وظهور طبقة من المقلدين الجهلاء الذين ألصقوا بالدين ما ليس منه، وخرجوا به من الحكمة إلى السخف، فنفر منه حتى أصحاب الفطر السليمة.
وقد ازداد الناس سوء ظن بالدين وكراهية لرجاله، لما اطلعوا على تاريخ الكنيسة الغربية، ذلك السجل الأسود الطانح بصفحات كريهة من اضطهاد العلم والعلماء، وبطريق التداعي أسئ فهم الدين في الإسلام ايضاً.
وهنا أود أن أستعيد ما قلته في مقدمة بحثي (الاقتصاد الإسلامي) (1) في هذا الصدد إذ عالجت المشكلة نفسها وقلت:
(ولم يقتصر سوء الفهم هذا ـ فهم الدين في الإسلام ـ على الأجانب، بل شمل كثيراً من أبناء الإسلام الذين لم يدرسوه دراسة علمية، الأمر الذي استلزم أن يقعوا في أخطاء ما كان لهم أن يقعوا فيها، لو لا سوء الفهم هذا.
(وأول هذه الأخطاء، سوء التقدير لعلاقة الإسلام بالدولة، ثم سوء التقدير لعلاقته بالعلوم الكونية، ولذا رأينا أن بعضهم راح ينادي بفصل الدين عن السياسة مأخوذاً بما فعله أمم كانت تدين للكنيسة بالطاعة، لأنه يظن خطأ أن السياسة في الإسلام أو الاقتصاد الإسلامي، كلاهما ذو رائحة دينية من النوع الذي خاصم العلم والعلماء).
وكلمتي إلى هؤلاء في توضيح ما عنيته بمفهوم الدين في الإسلام، أنه إذا كانت الكنيسة في يوم من الايام، قد استبدت في توسيع سلطاتها إلى بعض عبارات الكتاب المقدس، حتى صارت تتدخل باسم الدين في الصغيرة والكبيرة، فقد حرر الإسلام اتباعه من مثل هذه السلطة ومن أي سلطة أُخرى مهما علا شأنها.
حتى أن الله سبحانه وتعالى خاطب رسوله الكريم في كتابه العزيز محدداً وظيفته بقوله (إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر) محرماً وجود هيئات كهيئات الإكليروس.

ــــــــــ
العدد الثالث من السنة الثالثة لمجلة رسالة الإسلام ص 258 ـ 280.