/ صفحة 393/
ولا يتوهمن أحد أن هذه الآية قد انتهى حكمها بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، كما تبادر إلى ذهن بعضهم. كلا، فإن القرآن قد نص على أن الأمة وحدها هي مصدر السيادة والسلطة وليس الله. نعم كان الله هو المشرع ابتداءاً، ثم غدا التشريع إلى الأمة انتهاء. لان الله سبحانه ـ رحمة بالناس ـ هو الذي رد هذه السلطة إلى الأمة حين قال (وأمرهم شورى بينهم). ثم ألا ترى أن حق الله يفسره الفقهاء دوماً بأنه حق الجماعة (1).
إنه لمن فخر العرب على الأمم أجمع، أن كان لهم منذ الربع الأول من القرن السابع الميلادي دستور يعترف للأمة بالسيادة وبأنها مصدر السلطات؛ بينما كان ظهور هذه الفكرة، قد تأخر في أوربا إلى القرن الثامن عشر، وعد ذلك ضرباً من الجسارة والخيال (2).
المبحث الثالث:
هل يربط الإسلام بين الدين والسياسية؟
ــــــ
لابد لنا قبل المضى في هذا المبحث، من أن نحدد أولا ما يقصد بالدين، لتتضح العلاقة بين الدين والسياسة على وجه معلوم.
هناك سوء فهم لما يقصد بالدين. فالدين في أذهان كثير من الناس عبارة عن كل ما يصدم العقل ويتنافي مع الحكمة. وقد خلع الناس عليه هذا الوصف
ــــــــــ
هذا من الوجهة النظرية. أما إذا سألني سائل عما إذا كنت أرى إدخال تعديل على ما نصب عليه الشريعة، فإني أصرح مخلصاً، بأنني لم أجد حتى الآن ما يوجب أي تعديل في هذه الشريعة الكريمة. وأضيف إلى ذلك أن المسلمين ليسوا في حاجة إلى اقتباس القوانين عن غيرهم ولكنهم في الواقع بحاجة قصوى إلى من يصوغ لهم هذه الشريعة صياغة جديدة تنفق والمفاهيم الحديثة.
وزير الخارجية الفرنسية بارتلمي سنت هيير في مقدمته لكتاب (السياسة) لارسطو ص 79 الطبعة العربية.