/ صفحة 380/
مما تقدم بتضح أننا أمام اتجاهين متناقضين تمام المناقضة في مفهوم الإسلام السياسي وفي علاقة الإسلام بالدولة، ونحن من جانبنا، لا نرى وجهاً لتعليل هذا التناقض سوى القول بأن كلا من هذين الفريقين كان قد انتهى سبقاً إلى نظرية خاصة استمدها من بعض الوقائع في تاريخ الإسلام والمسلمين قبل أن يقدم على دراسة الإسلام السياسي دراسة صحيحة، وإلا لا التقي بزميله. لأنه ليس في مواقع الإسلام من الغموض ما يبرر مثل هذه النتيجة المتباينة.
نظر الأستاذ خالد محمد خالد إلى ما صار إليه الإسلام والمسلمون من الركود والخمول وفساد الحال وسوء المنقلب، فظن أن الداء في الحكومة التي مزجت بين الدين والسياسة فنصب نفسه محارباً لهذا النوع من الحكومات في كتابه (من هنا... نبدأ).
ونظر الأستاذ أبو الأعلى مودودي إلى ما صار إليه الإسلام والمسلمون من الضعف وفقد الثقة بانفس حتى صاروا يتعلقون بكل نظام سياسي مهما كان متعارضاً مع نظام الإسلام، فيقولون إن الإسلام ديمقراطي أو اشتراكي أو شيوعي الخ، فأراد أن يكافح هذه النزعة من الاستخذاء والتعلق بالأنظمة الأجنبية وقام بدراسة سطحية لبعض النصوص فقرر أن الإسلام دولة إلهية ديمقراطية في بعض الوجوه، حاكمها خليفة الله، لا تعديل في أنظمتها وقوانينها، ظناً منه أن الدواء في إحاطة شريعة الإسلام بأسوار من الحماية تفيها شر التعديل والتحوير.
وذهب آخرون وفي جملتهم الشيخ علي عبد الرازق (1) إلى أن الإسلام ما جاء للمجتمع الإنساني بنظام سياسي أصلا، بل كانت دعوته دعوة روحية محصة.
بعد هذه المقدمة التي كان لابد منها، لتوضيح الموقف المضطرب الذي يقفه نخبة من علماء المسلمين تجاه مفهوم الإسلام السياسي، أرى أن أقوم بدراسة وجيزه للنظرية السياسية في الإسلام في خطوطها الرئيسية.
ولتسهيل هذه الدراسة نوزعها على المباحث الآتية: ـ
ــــــــــ
لا أدري هل بقي الأستاذ علي عبد الرازق علي رأيه السابق؟.