/ صفحة 374/
ولعل إمامه في ذلك بكر بن خارجة (1) إذ يقول:
إني رأيت في نومي تعانقتى كما تعانق لام الكاتب الألف
وأخيراً تناوله (شيخ الشعراء) اسماعيل صبري المصري فقال:
ولما التقينا قرب الشوق جُهْدَهُ شجيّيْن فاضا لوعة وعتابا
كأن حبيباً في خِلال حبيبه تسرّب أثناء العناق وغايا
وهو ـ على أنه بالغ الجودة ـ يشبه قول أبي اسحق الفارسيِّ (2):
ضممته ضمة صرنا بها وحَدَاً(3) فلو رأتنا عيونٌ ما خشيناها
أنظر كيف تدرج المعنى في رفق وهدوء طيلة العصر الإسلامي؛ حتى إذا أظلل العصر العباسي بعلومه ومصطلحاته وصناعاته أخذ يعلو ويهبط في جلجلة واصطخاب
* * *
ونظرة إلى قول أبي تمام:
أقول لقُرحان من البَينْ لم يَصفْ ****** رَسيْسَ الهوى بين الحشا والترائب
أَعِنِّي: ابَدِّد شملَ دمعي، فإنني ****** أرى الشمل منهم ليس بالمتقارب
تهديك الىأنه فى معناه لايخرج عن قول امرىء القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ****** بسقط اللوى بين الدخول فحول
إذا اسقطنا أسماء المنازل من بيت امرئ القيس، والزخارف والتهاويل من بيتي أبي تمام.
فهو يقول: أقول لصاحبي الذي لم يدخل الغرام قلبه، ولم يذق لواعج الهوى في حياته (وهو معنى قرحان) أسعدني في البكاء على أحبابي الذين تفرق شملهم وتبدد جمعهم؛ وهل أراد امرؤ القيس من صاحبيه إلا هذا؟ ولكن ما قيمة الفسلفة العباسية والعلوم العباسية والصناعات العباسية؛ إن لم تجعل الصاحب (قرحانا
_________________________________
(1)توفى سنة226.
(2)توفىسنة447.
(3)وحدابفتحتين=واحدا.