/ صفحة 373 /
كثيراً من المعاني الفسلفية، التي تتصل بخلق العالم ونظامه وعلاقته بالله؛ وبالوجود وفساده؛ وبالعقل وسلطانه، وبالنبوات وغيرها، فجاءت كأنها فلسفة منظومة وقد أسلفنا شيئا منها، وليرجع إليها وإلى (ذكرى أبي العلاء المعري) للدكتور طه حسين، من أراد المزيد.
ومن الشعر ما جاء متأثراً تأثراً حضارياً ثقافياً متدرجا تدرجا طبيعياً هادئاً، كما في عصر صدر الإسلام وبني أمية،أو تدرجا ثورياً جارفاً كما في دولة بني العباس بدأ هذا التأثر باسلوب القرآن، وبانسياح العرب من قلب جزيرتهم في ممالك الروم والفرس، ووقوع حواسهم على مشاهد لم يألفوها، وحضارات لم يعرفوها تم باتجاه بني العباس إلى غزو الفلسفات والعلوم والعرفان، كما غزوا الممالك والأوطان، ففتحوا باب الترجمة والتعريب على مصاريعه، وفتحوا به أبواباً واسعة من المعاني والأساليب والأفكار على الأدباء والشعراء والباحثين والعلماء، استطاعوا بها أن يعوضوا مافاتهم من فساد الملكة واضطراب اللسان، واختلاط الذوق؛ مما قضى به الاجتماع، وفرضه انضواء العجم والعرب تحت لواء الإسلام العام.
أجل، كان تأثر الأدب بالعلوم رفيقاً ساذجاً في العصر الإسلامي؛ ويملثون له بوصف (العناق) الذي بدأ امرؤ القيس فوصفه بقوله:
تقول وقد مال الغببط بنا معا ****** عقرت بعيري ـ يا مرأ القيس ـ فانزل
فيأتي العرْجيّ، فيصفه بقوله:
بانا بأنعم ليلة حتى بدا ****** صبح تلوح كالأغر الأشقر
فتلازما عند الفرق صبابة ****** أحذ الغريم بفضل ثوتالمعسر
ثم يأتي على بن الجهم، فيصفه بقولة
فبتا جميعاً لو تراق زجاجة ****** من الخمر فينما بيننا لم تسرّب
حتى إذا جاء البحتري قال:
ولم أنس ليلننا في العنا ****** قِ، لفَّ الصبَّا بقضيب قضيبا
ثم عصف به المتنبي، فقال:
دون التعانق ناحِلينِ كشكلَيْ ****** نَصْبٍ، أدقّهما وضمّ الشاكل