/ صفحة 354/
ما يجب الإيمان به في شأن المائدة:
وسواء علينا أقلنا بنزولها كما يعزي إلى الجمهور ويرجحه ابن جرير، أم قلنا بعدم نزولها كما يعزي إلى الحسن ومجاهد وقتادة ما دمنا نؤمن بأن الحواريين سألوا عيسى أن يسأل ربه المائدة، وأن عيسى (عليه السلام) سألها ربه بناء على سؤالهم، وأن الله تعالى أجاب بما أجاب به وعداً غير مقيد كما يرى الجمهور، أو مقيداً كما يرى الحسن ومن معه، سواء علينا هذا أو ذاك ما دمنا نعتقد ما قصه القرآن علينا، والله لم يكلفنا باعتقاد واحد من الأمرين، وليس في القرآن ما يقطع بأحدهما عيا حتى تكون مخالفته مخالفة لقطعي في ثبوته ودلالته، والآيات كما ترى محتملة للرأيين فلكل من اطمأن إلى أحد الاحتمالين: النزول أو عدمه ان يعتقده، أما أن يقال إن الحواريين لم يسألوا، وإن عيسى لم يسأل ربه، وإن الله لم يجب بما أجاب، اعتماداً على أن خبر المائدة لا تعرفه النصارى، ولا هو موجود في كتبهم، فهو قول يخرج بصاحبه إلى إنكار صريح القرآن البين في سؤال المائدة وإجابة الله عنه، وقد علمت من كلمة الإمام الشيخ محمد عبده منزلة ما قصة القرآن علينا مما لم يرد في كتب القوم.
رأي بعض المتفلسفة العصريين في القصص القرآني:
بقي أن جماعة من متفلسفة هذا العصر حاولوا أن يعيدوا بعض آراء قوم حكموا عقولهم فيما قصه الله فقالوا: إن مثل هذا القصص لا يلزم أن يكون صادقاً يحكي واقعاً صحيحاً، وإنما يجوز أن يكون القرآن جاري فيه معلومات عامة إشتهرت على تعاقب العصور من غير أن يكون لها أصل كوني، وإن القرآن حدث القوم بما يتناقلون من معارف مأثورة وإن لم يكن لها واقع صحيح، قالوا ومن الجائز أن يكون القرآن هو الذي وضعها ابتداء بقصد التخييل لغرض صحيح وهو التأثير على القوم في سبيل اعتناق الحق الذي يُدعَون إليه، وعليه يكون سؤال الحواريين افتراضاً وتخييلا، وإجابة عيسى لهم افتراضا وتخييلا، وإجابة الله لهم على النحو الذي أجاب به افتراضاً وتخييلا، وكل ما تضمنته هذه الآيات نسب