/ صفحة 353/
يلزم أن يكون كل ما قصه الله تعالى في القرآن قد قصه في غيره من الكتب المتقدمة ولا أن أصحاب الأناجيل علموا بكل شئ حتى بمثل هذه المحاورة الخاصة التي لم تنته بحادث كوني حتى يكون عدم ذكرهم إياها في أناجيلهم التي وضعوها دليلا على عدم سؤالها، فقصة السؤال إذن لم ترد فيما عند النصارى ولكنها وردت فيما عند المسلمين، ومن الجائز أن تكون مما ورد في الإنجيل، وأن تكون مما أخفاه أهل الكتاب، أوضاع منهم علمه بسبب ما، والقرآن كما وصف نفسه مهيمن على كتبهم التي وصفها بأنهم حرفوها وأنهم كانوا يخفون كثيراً منها، وأنه يبين لهم كثيراً مما كانوا يخفون.
ونذكر بهذه المناسبة كلمة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده فيما يختص بنسبة القصص القرآني عامة إلى كتب العهد القديم، قال رضي الله عنه: (وإذا ورد في كتب أهل الملل أو المؤرخين ما يخالف بعض هذه القصص علينا أن نجزم بأن ما أوحاه الله إلى نبيه وثقل الينا بالتواتر هو الحق، وخبره الصادق، وما خالفه هو الباطل، وناقله مخطئ أو كاذب فلا نعده شبهة على القرآن، ولا نكلف أنفسنا الجواب عنه، فإن حال التاريخ قبل الإسلام كانت مشتبهة الأعلام، حالكة الظلام، فلا رواية يوثق بها في معرفة رجال سندها، وقد انتقل العالم بعد نزول القرآن من حال إلى حال، فكان بداية تاريخ جديد للبشر، كاني جب عليهم لو أنصفوا أن يؤرخوا به أجمعين).
ومما سبق يتبين أن الرأي في المسألة دائر بين رأى الجمهور القائلين بالنزول، ورأى الحسن ومن معه القائلين بعدم النزول، وأن الفريقين متفقان على أن الحواريين سألوا عيسى المائدة، وأن عيسى سألها ربه، وأن الله أجاب بما أجاب وأن الجمهور يرون أن قوله: (إني منزلها) وعد ووعد الله لا يتخلف، فلابد أن تكون قد نزلت، وأن الحسن وأصحابه يرون أنه وعد مقيد بما رتب عليه من وقوع العذاب بهم إذا لم يؤمنوا بعد نزولها، وأن القوم أشفقوا على أنفسهم بثقل هذا الشرط فرجعوا واستعفوا من طلبها مخالفة أن يحل بهم العذاب على فرض كفرهم، أو كفر أحد من معاصريهم بعد نزولها، وعليه فلم يعد هناك مبرر لإنزالها فلم نزل