/ صفحة 352/
أنها نزلت وقد تعددت الروايات على هذا الرأي فيما كان عليها من أصناف الطعام وألوانه، وعن كيفية نزولها ومكانة، وكيفية استقبالها وكشف غطائها، والأكل منها، والباقي عليها عبد الأكل إلى غير ذلك مما نضرب عنه صفحا. وأن الحسن ومجاهداً وقتادة قالوا. إنها لم تنزل وذكروا في ذلك أنه لما قيل لهم: (إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحداً من العالمين). وهو واضح في التوعد بالعذاب الشديد عند عدم إيمانهم بعيسى ودعوته ـ استعفوا واستغفروا الله وقالوا: لا نريدها. وقد أنبأنا القرآن الكريم أن سنة الله فيمن يقترحون الآيات على أنبيائهم: أنه إذا أجابهم إليها ثم لم يؤمنوا عاجلهم بالعذاب (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون) (وقالوا لولا أنزل عليه ملك، ولو أنزلنا ملكا لقضى الأمر ثم لا ينظرون).
الاستدلال بأن النصارى لا يعرفون هذه القصة:
هذا وقد استدل بعض الكاتبين على عدم نزولها بأن النصارى لا يعرفونها وليس لها ذكر في كتبهم ولم يكن لهم عيد يعرف بعيد المائدة، وبأن نزول مائدة من السماء خارق عظيم للعادة من شأنه أن تتوافر الروايات على نقله وتواتره لغرابته، فلو كانت المائدة قد نزلت لكان خبرها موجوداً في كتبهم، وكان متواتراً، مع أنها لم توجد حتى ولا برواية الآحاد، ولنا أن نقول إن هذا الاستدلال إن كان يعني عدم نزولها فقط، فقد يكون له شئ من الوجاهة، وإن كان يعني أنها لم تنزل ولم تسأل، فهو محل نظر كبير؛ لأن السؤال ما لم ينته بإجابة كونية فعلية تبرز بها المائدة للناس، ويرونها بأعينهم، ويلمسونها بأيديهم فلا يعد بذلك مما تتوافر الدواعي على نقله، لا سيما وعيسى في بيئة محصورة: جماعة سألوا وأجيبوا، وانتهى الأمر برجوعهم عما سألوا، فعدم تواتر سؤالها في كتب النصارى أو عدم وجوده فيها لا يستغرب كما يستغرب الأمر فيما لو نزلت المائدة فعلا ورآها الناس فعلا، وأكلوا منها، وتذوقوا طعامها، ولم يذكر عن ذلك شئ.
هيمنة القرآن على الكتب السابقة:
وقد ذكر القرآن هذه الحقيقة ابتداء وانفرد بها عن سائر الكتب، ولا