/ صفحة 351/
الذات إلى الصفات، وقوله (تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا) إشارة إلى ابتهاج الروح بالنعمة لا من حيث إنها نعمة بل من حيث إنها صادرة عن المنعم وقوله (وآية منك) إشارة إلى كون هذه المائدة دليلا لأصحاب النظر والاستدلال وقوله (وارزقنا) إشارة إلى حصة النفس. قال الرازي. فانظر كيف ابتدأ بالأشرف فالأشرف نازلا إلى الأدنى، ثم قال (وأنت خير الرازقين) وهو عروج مرة أُخرى من الخلق إلى الخالق، ومن غير الله إلى الله، ومن الأخس إلى الأشرف، وعند ذلك تلوح لك شمَّة من كيفية عروج الأرواح المشرقة النوارنية الإلهية، ونزولها. وهذا سبح لا يحد شاطؤه، بسبح في أجوانه وآفاقه الأرواح الصافية، والقلوب المتعلقة بحضرة مالك القلوب، وليس ذلك مما يمكن تحديده بالعبارات ولا رسمه بالكلام، وإنما هو إيمان وذوق، فآمن وتأمل وتنقل في درجات الإيمان ومراتب التعلق، تحظ بإدراك الخير كله، ويملك قلبك عز المعرفة، وسمو الجلال.
* * *
المائدة وما يذكر في شأنها من الأساطير:
هذا وقد تكلم العلماء أيضاً في هذا المقام على المائدة التي سألها الحواريون عيسى، هل نزلت أم لا؟ وتكلموا على أوصافها وما احتوت عليه من ألوان الطعام والشراب، وحسبك في معرفة ما قالوه في هذا الأخير، أن ترجع إلى أي كتاب من كتب التفسير المتداولة لتقرأ في أوصافها وأوصاف ما وضع عليها الشئ الكثير مما يجعلك تؤمن أن كل ما قيل حولها: من افتراء المفترين، أو أساطير الاسرائيليين، وقد سبق لنا في العدد الثالث من السنة الأولى لهذه المجلة أن سقنا في ذلك ما كتبه أبو السعود في تفسيره، وكان ذلك بمناسبة الكلام على قصة البقرة ومناهج الناس في القصص القرآني فارجع إليه إن شئت.
هل نزلت فعلا؟ آراء النافين والمثبتين في ذلك وأدلتهم:
أما نزولها فقد ذكرت كتب التفسير أن العلماء اختلفوا فيه، وأن الجمهور على