/ صفحة 350/
التي لا يطوف حولها خيال من الريبة أو الشبهة، بعد أن علم بالنظر والاستدلال، وهذه مرتبة فوقها مرتبة، وقد قال الحواريون في بيان غرضهم من المائدة: (نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا، ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين) فذكروا طمأنينة القلب، وعلم الصدق عن طريق المشاهدة والمعاينة. ومن هنا نرى رجحان القول بإيمان الحواريين.
درجات الإيمان:
وإذا كانت درجات الإيمان متفاوتة وكان الشخص ينتقل من درجة إلى أسمى منها فإن لعامة المؤمنين درجة أو درجات، ولخصوص الأنبياء والمقربين درجة أو درجات، وكثيراً ما تلمح مظاهر التفرقة بين درجة إيمان المقربين، ودرجة إيمان غيرهم، وبالنظر في بيان الغرض من المائدة حسب ما قدر الحواريون، والغرض منها حسب ما رأى عيسى، ندرك شيئاً من مظاهر الفرق بين درجات القرب من الله والايمان به.
نظر لطيف للرازي:
وفي هذا المقام قال الرازي في تفسيره الكبير: (تأمل في هذا الترتيب فإن الحواريين لما سألوا المائدة ذكروا في طلبها أغراضها، فقدموا ذكر الأكل، فقالوا: نريد أن نأكل منها. وأخروا الأغراض الدينية الروحانية؛ فأما عيسى فإنه لما طلب المائدة، وذكر أغراضه فيها قدم الأغراض الدينية، بعد أن توجه باخطاب إلى الله بوصف الربوبية بالإضافة إلى ضمير المتكلم، وفيه التمهيد بحاجة المربوبية إلى غني الربوبية، فقال: (تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك). وأخّر غرض الأكل حيث قال: (وارزقنا). وعند هذا يلوح لك مراتت درجات الأرواح في كون بعضها روحانيةوبعضها جسمانية، ثم إن عيسى (عليه السلام) لشدة صفاء دينه، وإشراق روحه، لما ذكر الرزق بقوله: (وارزقنا) لم يقف عليه، بل انتقل من الرزق إلى الرازق فقال (وأنت خير الرازقين). فقوله (ربنا) ابتداء منه بذكر الحق سبحانه، وقوله (أنزل علينا) انتقال من