/ صفحة 348/
بي وبرسولي) والسياق امتنان الله على عيسى وعلى والدته بنعم الله عليهما: (إذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذا علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني) إلى أن قال بطريق العطف على ما عد من نعم: (وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي). فالسياق كما ترى امتنان بالنعم، وما كان الله ليمتن بشئ وهو يعلم عدم حصوله، وقد امتن الله بإيحاء الإيمان إليهم، وإيحاء الإيمان هو إلهامهم إياه، وما ألهمه الله عبده لابد أن يكون (وأوحى ربك إلى النحل). (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه). (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) وهذا من ذاك، ولو كانوا غير مؤمنين، والله يعلم منهم عدم الإيمان،والتظاهربالأيمان لكانوا من المنافقين الذين يسرون الكفر ويلعنون الأيمان وما كانت سنة الله مع أنبيائه إلا أن يظهر لهم نفاق المنافقين، ويكشف عن حقيقة نواياهم، وليس من سنته ولا من المعقول أن يكون من سنته أن يجاريهم فيماي يدعون دون أن يفضح لأنبيائه تفافهم ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب).
هذا وقد ضرب الله وراء ذلك إخلاصهم لعيسى (عليه السلام)، ونصرتهم إياه مثلا للمؤمنين، وطلب منهم أحتذاءه، وأن يكونوا من محمد كما كان الحواريون من عيسى، وما كان الله ليضرب إخلاصهم مثلا للمؤمنين، ويطلب منهم أن يكونوا مع محمد كما كان الحواريون مع عيسى إلا وهو يعلم صدقهم في الإيمان، وإخلاصهم في النصرة (يأيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصارى إلى الله قال الحورايون نحن أنصار الله).
رأينا في ذلك:
وفي رأيي أنه لا تعارض بين ما يفهم من الآيات جميعا، فآية السؤال قد يؤخذ منها أنهم شاكون، والايات الأُخرى يؤخذ منها أنهم مؤمنون، وليكن كل هذا، فإن من المعلوم أن الدعوات تبتدئ دائماً بمرحلة من التردد في نفوس