/ صفحة 308 /
ذلك عند العامة، أو يتوسل به لحصول الأمر عند الخاص، ومن يتأمل في تأثير هذا التحول وخطورة التوجيه الذي يهدف إليه يرى الخطر الجاثم في أمثال هذا التحول بالنسبة لحياة المسلمين من الحقائق الثابتة بالوحي السماوي أو الواقعة تحت المشاهدة والحس إلى أوهام وتقولات لا اعتبار لها ولا لقائليها أمام ما تقدم.
قد يتبادر للذهن من وضع المرابطة في سبيل الله بباب النذور أنها كانت تقوم على أناس لهم مقاصد وغايات شخصية، رأوا أن يستعينوا بالله في الوصول إليها، ونذروا له أنهم إذا ما حصلوا على تلك المطالب يرابطون في سبيل الله بالثغور الإسلامية طول حياتهم أو مدة معينة منها.
لا ننكر وجود هذا الصنف في المرابطين، ولكنه ليس هو كل شيء، وليس هو الباعث الأصلي للمرابطة أيضاً، إذ أن طلاب المصالح الخاصة والمنافع الذاتية قليل منهم من تسمو به نفسه إلى جعل النذر لحصولها الجهاد، وذلك اللون الخطير من الجهاد بالخصوص، فهناك أصناف أُخرى من النذور يمكن أن يتجهوا إليها، والقليل من هؤلاء الذين ينذرون الجهاد لأغراض خاصة لا تكون منهم هذه القوة العظيمة التي كان لها الذكر البارز في رد الغارات عن ثغور المسلمين، والواقع الذي نلمسه عند بحث هذه الناحية: أن الرباط في سبيل الله كان أحب العبادات للمسلمين وأدناها إلى قلوبهم في تلك العهود التي تطهرت فيها النفوس من الأنانية حتى في العبادة، فانصرف أكثر المسلمين عن ملازمة عبادات لا تنفع إلا المتعبد نفسه إلى عبادات عامة، القص منها نفع المسلمين والإحسان للإنسانية كافة، عبادات لا يلتفت الإنسان فيها إلى نفسه، لأنه أفناها في الله وفي المجتمع الذي هو عباد الله، وبذلك اتجه الناس إلى هذا اللون من العبادة وهو المرابطة الذي فيه جهاد النفس وجهاد العدو لتأمين الناس على النفس وما كسبت، وتأمين حرية العقيدة خصوصاً في الظروف التي توالت فيها غارات الأوربيين وحملات الصليبيين ففي ذلك الوقت تكاثرت الرباطات، وتوافر عدد المرابطين في أماكن كثيرة بمراكش إلى آخر حدود ليبيا من سواحل المغرب الإسلامي التي نالت من تلك الغارات أوفر نصيب، ويشاهد الإنسان سلسلة من الرباطات تكاد تكون متصلة