/ صفحة 309 /
الحلقات، وهي تعطينا صورة صادقة للعدد الذي كان يرابط بها، ومنه نتبين أن الرباط لم يكن مجرد وفاء بنذر كما توهم الفقهاء.
ولقد نشأت في منتصف القرن الخامس دولة للمرابطين شملت المغرب الإسلامي كله، وضمت إلى سلطانها بلاد الأندلس، وقد قامت على دعوة دينية كان مصدرها الرباطات، وجندها المرابطون.
يأتي الرجل المسلم منهم إلى ثغر من الثغور، أو موقع استراتيجي، كما يسمى اليوم ملتزماً لله بأن يقيم فيه، حامياً له، مدافعاً عنه ضد كل مهاجم، مفتدياً أرضه ومن يقيم حوله من المسلمين ومن في ذمتهم بنفسه وما يملك لمدة حياته كاملة، أو لجزء معين منها، ويلتحق به ثان وثالث من أمثاله، وهكذا حتى تكون جماعة فيبنون الرباط الذي يسكنونه، ويدخرون فيه حاجياتهم من أسلحة وأمتعة وزاد، ويقوم شيخ الرباط على إدارته وتثقيف ساكنيه وتوجيههم وتربية نفوسهم، ولكل من المرابطين صناعة يدوية يحذقها أو تلقن له ليكسب منها قوته ولباسه وزاده، وحتى أدوات حربه، فهو لا يعتمد في شيء من ذلك على الناس، ولا تمر مدة طويلة حتى يصبح الرباط معهداً للعلم يلقي فيه العلماء المرابطون على من يأتي إليهم من الطلبة من الجهات المجاورة قصد المرابطة أو طلب العلم دروساً دورية في علوم الدين واللغة والتصوف، وحتى في الصناعة والتمريض، وكلما أتمت جماعة معلوماتها بارحت المكان وخلفتها أُخرى، وكثيراً ما كانت الرباطات مستوصفات طبية لمعالجة الفقراء بالمجان على يد أطباء يتطوعون لهذا الغرض، وكانت في بعض الأحيان كمطابع تخرج الكتب وتعين على نشر العلم، إذ يعمد أحد المرابطين إلى إملاء كتاب على عشرة من تلاميذه، فيخرج منه عشر نسخ، وكان الصناع من المرابطين ينفقون ما يبيعون به مصنوعاتهم على حاجياتهم، ويوفرون الباقي لينفقوه في مصلحة الرباط، وازدهرت الرباطات، ولفتت نظر الناس إليها، واشتهر القائمون فيها بالعلم والصلاح نتيجة الدرس والمجاهدة، فأخذ الناس يوفرون لها الأموال، ويجلبون إليها الأرزاق، وأخيراً وقفوا عليها الدور والبساتين والمزارع الواسعة لتوفير نفقاتها اللازمة، وضمان بقائها وقيامها بما انشئت له