/ صفحة 30 /
وفي كتاب الطهارة للشيخ مرتضى الأنصاري: أن الكاهلى روى عن الإمام الصادق أنه سأله عن قوم مسلمين يأكلون فحضرهم رجل مجوسي، أيدعونه إلى الطعام؟ فقال، أكراه أن أحرم عليكم شيئاً تصنعونه في بلادكم. تدلنا هذه الرواية على أن في الشريعة الإسلامية أحكاما تستمد من عادات البلاد وآدابها، وأن الأمر ليس كما يظن بأن كل حكم شرعي ثابت مستمر كنوا ميس الطبيعة، يخضع له كل شيء، ولا يخضع هو لشيء. وفبى المجلد السادس عشر من كتاب بحار الأنوار. أن رجلا قال للإمام موسى بن جعفر: أريد السفر لوجه: فعلمني باستخارة إن كان ذلك خيرة يسره الله لي وإن كان شراً صرفه عنى، فقال له: أيجب أن تخرج في ذلك الوجه؟ قال الرجل: نعم، فقال له: قل اللهم قدر لي الخير، فإنك تقدر على ذلك، رأى الإمام أن الرجل يريد السفر لبعض شؤونه، وأن القلق يساور نفسه خوفا من الخيبة، وأنه لجأ إلى إمامه رغبة في الاطمئنان والسكينة، لما رأى الإمام ذلك منه، ورأى السفر واجباً له أمره به، وعلمه دعاءاً تدل كلماته وأسلوبه على أن الإمام لاحظ حالة الرجل، ووضعه الخاص فأنشأ له هذا الدعاء حسب حالته وظرفه، فالإمام لم يرشد الرجل إلى دعاء ثابت مقرر لكل من يديد السفر، ولا لكل من ساوره القلق والاضطراب، وإنما نظر إلى ما تستدعيه حالته الخاصة، فوضع لها هذا العلاج الخاص، فكما أن واجب المجتهد أن يبحث عن النصوص الثابتة والقواعد المقررة للشرع، قبل أن يصدر حكمه، عليه أيضاً أن ينظر إلى عادات الناس وتصرفاتهم وأوضاعهم، ثم يتخذ منها مقاييس لأحكامه، على أن يلائم بين تلك النصوص الثابتة والقواعد المقررة، وهذه المقاييس التي فرضتها الحياة وحاجاتها المتباينة، أي أن يضيف إلى النصوص والقواعد الشرعية مبدأ شاملا وقاعدة عامة، وهي أن كل مالا يحقق لنا المصلحة والخير والنفع لا يجب العمل به.