/ صفحة 293 /
ورأوا بأجمعهم إجراء الصفات كما وردت، ولم يكن عند أحد منهم ما يستدل به على وحدانية الله تعالى، وعلى إثبات نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) سوى كتاب الله تعالى، ولا عرف أحد منهم الطرق الكلامية، ولا مسائل الفلسفة).
على هذا انتهى القرن الأول كله؛ لأن أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن تبعهم بإحسان فهموا ما ذكره الرسول عن ربه، ولم يروا بأنفسهم حاجة إلى الفلسفة وقواعدها، ولا إلى مباحث الكلام التي تمت بأوثق الأسباب إلى الفلسفة وقواعدها، فكتاب الله الذي حدثهم عن ربهم وفرض عليهم حقوقاً يؤدونها إلى ربهم، وحقوقاً يؤديها بعضهم إلى بعض، هذا الكتاب عربي مبين وهم قد فهموا العبارة التي فرضت عليهم هذه الحقوق وتلك، وما احتاج من هذه العبارة إلى كشف وبيان سألوا عنه الرسول فكشفه لهم وبينه، فلماذا لا يفهمون العبارة التي يحدثهم فيها ذلك الكتاب الكريم عن ربهم؟ وكيف سكتوا عن طلب البيان إن لم يكونوا قد فهموها أو شيئاً منها؛ ولسان الرسول عربي مبين، وشأن ما تحدث به إليهم من عند نفسه كشأن ما أنزل عليه من القرآن، وهم ـ في الأكثر ـ عرب يتكلمون العربية الفصحى ويفهمونها إذا خوطبوا بها، فليفهموا القرآن والسنة إذن على النحو الذي يفهمون به ويُفهمون، ومن كان منهم غير عربي فليس يحتاج لكي يفهم مثل ما فهم العرب إلى الفلسفة وقواعدها، وإلى مباحث الكلام التي تمت بأوثق الأسباب إلى الفلسفة وقواعدها، وإنما هو محتاج إلى معرفة اللسان العربي وطرق دلالة ألفاظه على معانيها وإدراك خصائص هذا اللسان، فإذا تيسر له ذلك فسبيله سبيل أهل العربية الأصيلين.
* * *
وقد كان أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ عند التحاقه بالرفيق الأعلى وبعد ذلك ـ على عقيدة واحدة وطريق واحد، ولم يكن احدهم ليختلف مع آخر إلا في فهم أو تيه في شيء من كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد كانوا من صفاء النية وسلامة العقيدة وحب الاستمساك بالعروة الوثقى بحيث يعرض