/ صفحة 292 /
في كتابه الكريم، وبما أجراه على لسانه من سننه، فلم يسأله أحد منهم ـ على اختلاف عقولهم ومداركهم ـ عن شيء من ذلك، كما كانوا يسألونه عن أمر الصلوات والزكاة والحج والصوم والكفارات، وغير ذلك من كل ما عملوا أن لله تعالى فيه أمراً أو نهياً، وكما كانوا يسألونه عن أحوال الآخرة وعن الجنة والنار، وذلك بعض ما نستدل به على أنه سلك بالناس في هذا السبيل طريقا وسطا لا يدق على أذهان العامة ولا يسف حتى يستبذله الخاصة أو ينكروه. وإنما قلنا إنه (لم يسأله أحد منهم عن شيء مما وصف به ربه) لأن هذا مما تتوفر الدواعي على نقله لو أنه حدث، وكيف لا تتوفر الدواعي على نقل ما يتعلق بصفات الخالق، وهو أصل الأصول في العقيدة التي هي الأساس الأول للدين؟ ولم ينقل لنا أن أحداً التبس عليه شيء من ذلك، فأنشأ يسأل ليكشف شبهة عرضت له، أو ليزيل البحث عن أحكام الحلال والحرام، وعن أحوال القيامة، وعن الملاحم والفتن، ونحو ذلك؛ فدل هذا على أنهم فهموا ما نقله لهم عن ربه مما وصف به نفسه في يسر وهوادة من غير أن يفلسفوه أو شيئاً منه. قال العلامة المقريزي (الخطط 2|356 بولاق): (من أمعن النظر في دواوين الحديث النبوي ووقف على الآثار السلفية علم أنه لم يرد قط ـ من صريح صحيح ولا سقيم ـ عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم ـ على اختلاف طبقاتهم وكثرة عددهم ـ أنه سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه به نفسه الكريمة في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل كلهم فهموا معنى ذلك، وسكتوا عن الكلام في الصفات، نعم، ولم يفرق أحد منهم بين كونها صفات ذات أوصفات فعل، وإنما أثبتوا له تعالى صفات أزلية من العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام والجلال والإكرام والجود والإنعام والعز والعظمة، وساقوا الكلام سوقاً واحداً. وكذلك أثبتوا ما أطلقه سبحانه على نفسه الكريمة من الوجه واليد ونحو ذلك مع نفي مماثلة المخلوقين؛ فأثبتوا بلا تشبيه ونزهوا من غير تعطيل، ولم يتعرض ـ مع ذلك ـ أحد منهم إلى شيء من هذا،