/ صفحة 294 /
أحدهم على أخيه ما آتاه الله من فهم، فإن وجد عنده ما يدفعه من سنة أو فهم في كتاب أو سنة رجع عنه، وإن لم يجد عند أخيه شيئاً من ذلك أخذ كلاهما به وتقبله أحسن القبول، ونستثني من ذلك قوماً كانوا يبطنون النفاق ويظهرون الوفاق، وهؤلاء كان منهم المعروف في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).
وإذا نحن نظرنا في الأمور التي اختلفوا فيها وجدناهم يختلفون في أمور اجتهادية لا يوجب الاختلاف في واحد منها إيمانا ولا كفرا، بل لا يوجب الاختلاف فيها كلها إيماناً ولا كفراً، ثم إذا نحن نظرنا نظرة أُخرى تبين لنا أن غرض كل واحد من المختلفين في كل مسألة من مسائل الاختلاف إقامة شرائع هذا الدين وإدامة مناهجه. بل نحن نجدهم قد اختلفوا في بعض هذه المسائل، والرسول صلى الله وسلم بين أظهرهم لم يفارق هذه الدنيا، وبعض ما اختلفوا فيه قد عرض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقر احدى وجهتي النظر، وبعضه قد عرض عليه فأقر كلا على رأيه، فكان ذلك دليلاً على أن لهم أن يختلفوا في الفروع التي لم يرد فيها نص، وكان ذلك دليلاً على أنه يجوز في بعض المسائل المختلف فيها أن يبقى كل واحد من الرأيين معمولاً به.
كل ذلك قد كان والإسلام غض تخالط بشاشته القلوب، وكل ذلك قد كان معروفاً عندهم، ولم يكونوا يرون أن شيئاً من ذلك لا يجوز أن يكون، ولكن قوماً من المنافقين ممن عاش في الصدر الأول أو ممن جاء بعده استغلوا اختلاف الصحابة في بعض ما اختلفوا فيه استغلالاً دنيئاً، واتخذوا منه سبيلاً إلى تفريق كلمة هذه الأمة، وراحو يلتمسون لبعض وجهات النظر أدلة لم يقتنع بها الذين خالفوا هذا الاتجاه، بل إن هؤلاء المنافقين تمسكوا بوجهات من النظر عدل عنها أصحابها، إما اقتناعاً بما استدل به مخالفوهم، وإما إبقاء على وحدة الأمة وإيلافها؛ إذ لم يكن في أحد الرأيين ما يخالف كتاباً أو سنة صريحة ذلك لأن غرض هؤلاء المنافقين هو تمزيق الوحدة وهدم ذلك الصرح الشامخ الذي أقذى عيونهم.
(للبحث بقية)