/ صفحة 291 /
بما شاءت لهم أهواؤهم فدانوا بما ابتدعه هؤلاء الأحبار من التجسيم ونحوه مما لا يليق بمبدع الكون الواحد القهار، وجماعة عبدوا الأجرام العلوية ونصبوا لها الهياكل ورصدوها وقدسوها.
وغير العرب شر من العرب وأسوأ حالاً: منهم الثنوية، ومنهم عبدة النار، ومنهم الدهريون والطبيعيون، ومنهم الذين لا يدينون بغير ما يقع عليه الحس، ومنهم الذين ينكرون النبوات. ومن كان من هؤلاء يتدين ديناً أو يؤمن بنبي لم يكن بأهدى ممن يتدينون من العرب ولا بأقوم سبيلا.
في وسط هذا الليل الدامس من الاضطراب الاجتماعي والخلقي والديني بعث الله تعالى عبده ورسوله محمد بن عبدالله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، فكان كالنجم يطلع على قوم مدلجين في موماة بعيدة الأطراف، مترامية الجوانب يضل فيها الخريت، فمنهم من القى إليه باله وأنبث عنده ناظره فاهتدى به ونجا من التيه، ومنهم من لم يفطن إليه فابتلعه الظلام وكان من الهالكين.
أقام الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ الحجة، وأيقظ العقل، وأعلن في الناس سلطان هذا العقل الذي حقروه ونبذوه، وحاكمهم إليه، ودعاهم إلى اطراح التقليد، وألا يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله، وسلك بهم في هذا السبيل طريقا وسطا لا يدق على أذهان العامة، ولا يرتفع عن مستوى إدراكهم ولا يُسف حتى يستبذله الخاصة ويستنكروه، وأنت واجد في كل ما أوحى الله به إلى هذا النبي الكريم، وفي كل ما أجراه ـ سبحانه! ـ على لسانه من سنته، وفي كل ما عمل به حياته كلها إلى أن لحق بالرفيق الأعلى، أنت واجد في كل ذلك أصدق المثل وأعلاها إلى هذه الدعوة التي أشرنا إلى بعض خصائصها.
ولم يلبث العرب ـ حين رأوا أن قد دمغتهم الحجة وأخذت عليهم سبل الالتواء والمعارضة ـ أن دانوا لهذه الدعوة تباعاً، ودخلوا في دين الله أفواجا، وقد رأوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يصف لهم ربه ـ سبحانه! ـ بما وصف به نفسه