/ صفحة 289 /
كيف نشأ الاختلاف
في العقائد والفروع
لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد
المفتش بالأزهر
هذه كلمات أردت بكتابتها أن أبحث بحثا علمياً خالصاً، في اختلاف أهل الاسلام وبواعث هذا الاختلاف وآثاره، وسأحاول ـ جهد استطاعتي ـ أن أثير دفائن التواريخ التي أتت عليها الحقب المتطاولة، وقد يطول بي القول، وقد يقصر في بعض الأحيان، ولعل قراء (رسالة الإسلام) لا يضيقون بهذا الطول ولا يتبرمون به، بل إني لأرجو أن يجد بعض هذا الطول منهم رضا.
ولعل عجباً أن يكتب إلى مجلة نشأت كي تدعو إلى التوفيق في موضوع كهذا الذي أردت أن أكتب فيه، ولكن العلاج الناجع يستدعي معرفة الداء، وكيف بدأ، وكيف تهيأ له أن يتمكن، وكيف أتيح له أن يتشعب وتكون له أصول وفورع، فإن لم يتلمس الطبيب ذلك، أو هو حاول أن يغضي عن بعض ذلك لم يؤت علاجه ثمرته وإن بذل فيه الجهد الجاهد.
سأكتب إذن في بواعث هذا الاختلاف وأسبابه، وفي نشأته وتطوره، وفي آثاره ونتائجه، ولكني لن أكتب هذه الفصول لازيد شأن الاختلاف ذيوعاً وانتشاراً، ولن أكتب هذه الفصول لأزين فيها الاختلاف، فهذا ما لا سبيل إليه، وإنما أكتب هذه الفصول لأظهر الناس على جراثيم هذا الداء، ولأبين لهم أين نبتت هذه الجراثيم، وكيف نبتت، ثم لأبين لهم الذين أنبتوها وتعهدوها، ثم ألقوها في آناف الناس وحلوقهم، فإن هم علموا ذلك على وجهه فهم إن شاء