/ صفحة 288 /
وإذن فهذا الجواب لا يصحح حكم الخليفة بوجه. إذ هو خلاف حكم الكتاب وحكم السنة، الموجب لمخالفة قوله تعالى (وما أتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا)!.
وأجابوا عن رفع حد السرقة، وتغريم القبيلة بدفع ثمن الفاقة. بأن ذلك للضرورة التي تبيح أكل الميتة! ولكن يؤخذ على هذا، أن الضرورة إنما تقدر بقدرها، فالسرقة التي حصلت أيام المجاعة، إما بمقدار حاجة ذلك المضطر، وإما بأزيد منها بمقدار عليه الحد، فإن كان الأول، فهو معذور فلا وجه لتغريمه ولا لتغريم قبيلته بدفع ثمن الفاقة،فإن قوله تعالى (إلا ما اضطررتم إليه) وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (رفع ما اضطروا إليه) كما يرفع الحكم التكليفي ـ أعني الحرمة ـ يرفع الحكم الوضعي ـ أعني الضمان ـ عنه وعن قبيلته بلا فرق، على أنه لو لم يرفع الضمان، فإنما يتحمله السارق ليجبر على الدفع عند الاستطاعة، إذ لا وجه لتغريم القبيلة، فإن ذلك مخالف لصريح قوله تعالى (لا تزر وازرة وزر أُخرى)!! ولا يتوهم أن تغريم القبيلة، من قبيل الحكم بالدية على العاقلة في قتل الخطأ ـ لوجود الدليل الشرعي هناك ـ وعدم وجوده هنا، ولا دليل على حجية القياس، بل دل الدليل على المنع عنه شرعاً، وأنه لا يكون مصدراً للأحكام كما حقق في محله!! وإن كان الثاني: فالحكم برفع الحد مخالف لصريح قوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)، فلا وجه لهذه الأحكام ـ إلا الاجتهاد بالرأي الذي لا يمت إلى الكتاب بصلة.